عَلى أجنِحَةِ المَلائِكَةِ

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 181

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّ الملائكة لَتضع أجنحتها لطالب العلم"(1) ترتسم ابتسامة لطيفة على محيّا كلّ مَن ترمق عيناه تلك الحروف المريحة التي تثري الروح وتزيح التعب عن القلب والبدن، فهي رسالة مفادّها أن يا طالب العلم أَقبِل.. فكلّ أبواب السعادة والطمأنينة في انتظار خطواتكَ، وكلّ الأجواء المحيطة متلهّفة إلى أنفاسكَ التي تسعى إلى كلّ ما يرضي الله (سبحانه وتعالى)، ويخدم عيال الله المتعطّشين إلى كلّ ما هو جديد ومفيد. منزلة رفيعة ينالها طالب العلم، ونقصد هنا مَن يبحث عن العلم لأجل العلم والمعرفة والقرب من الله (عز وجل)، فكم من حديث نمرّ عليه يصف ذلك الثواب العظيم والأجر الجزيل لكلّ مثابر يسهر الليالي وعيونه تتأمّل ما لذَّ وطاب من العناوين، ويتوشّح بدفء الأوراق الحنونة، حيث إنّها تمنحه كلّ معاني السعادة، فهو مثلما قال الإمام عليّ (عليه السلام): "منهومانِ لا يشبعانِ: طالب علم، وطالب دنيا"(2)، فمَن كان همّه الدنيا لن يصل إلى مرحلة الشبع أو الارتواء منها، ويظلّ يطلبها إلى حين الغرق في التهلكة واللاعودة، فهي طاقة أرضيّة متدنّية، كلّما وصل إلى الأعلى تجده يهبط بأفكاره وأهدافه، فتغلب على مشاعره غيوم التوتّر والقلق وعدم الرضا بأيّ مستوىً يصل إليه، حينها تزخر حياته بسلوكيّات العصبيّة والابتعاد عن المحيط، حيث يرى الجميع بمنظار الدونيّة، وأنّهم لا يستحقّون التواجد إلى جانبه، بينما نجد أنّ طالب العلم والمعرفة يتسامى عن الماديّات، ويبحث عن الرقيّ والسعادة الروحيّة التي يستمدّها من صنوف العلوم، ويكون همّه الوحيد كيف يمكنه أن يبلغ مرتبة العلماء، ويمدّ يده لمَن حوله لينقذهم من ظلمات الجهل والتخلّف، فكلّما قرأ سطرًا واحدًا، أراد أن يترجمه منفعةً وخيرًا للآخرين، فتجده يبحث عن أفضل الوسائل ليترك بصمةً منيرةً، وينثر أدقّ التفاصيل بكلّ حبّ وودّ. وفي الوقت الذي نجد أنّ كثيرًا ممّن يرتاد المدارس والجامعات ليسوا مسلّحين بالأهداف الواضحة، بل إنّ أكبر همّهم هو الحصول على فرصة عمل، ولأجل هذا الهدف الماديّ الأرضيّ تجد التوتّر والقلق يخيّم على أفكارهم ويغلّف أيامهم، فيضيع العمر بانتظار تلك الفرصة التي من الممكن ألّا تأتي أبدًا، ومع ضياع تلك الساعات يتلاشى معها كلّ ما تمّ ادّخاره من العلم البسيط، حيث إنّ عدم صقل العلم بالعمل وشحذ المعلومات بالتحديث المناسب لها، يجعلها عرضةً للتآكل والفناء، فكم هو جميل لو أنّ مَن يبدأ مسيره التعليميّ يجعل في نيّته طلب العلم لكونه فريضةً دينيّةً حثّتنا عليها مبادئ الشريعة السمحة، حيث إنّ الخير كلّ الخير فيها، ومن المعروف أنّ من شدّة أهميّة العلم فإنّه لم يتمّ تقييده بعمر محدّد، بل على العكس فقد كان التأكيد على الاستمرار إلى النهاية: "اطلبوا العلمَ من المهد إلى اللحدِ"،(3) فكلّ أيامنا وساعاتنا مثمرة لو أنفقناها في مسيرة التعلّم، فالعلم يجلب الخير مثلما ورد في الحديث الشريف، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنّة".(4) ما أجملها من بشارة ترسم على الثغر ملامح السعادة، لنسعَ جميعًا إلى نيل تلك المرتبة العالية فتضع الملائكة لنا أجنحتها، ونكون منارة للعلم أينما حللنا. .................................. (1) ميزان الحكمة: ج3، ص373. (2) المصدر السابق: ج3، ص370. (3) أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع: ج1، ص239. (4) ميزان الحكمة: ج3، ص373.