(قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)
فاطمة: عندما يكون الإنسان في قمّة ألمه ومصائبه نرى كيف يُنزل الله تعالى عليه ما يطمئن قلبه؛ ليخرجه من ضيق الهمّ إلى سعة الفرج، وهكذا فرّج الله عن عمّار بن ياسر بإنزال آياتٍ من الذكر الحكيم تطمئن ذاك القلب المكلوم: (..إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ..) (النحل: 106). ناهد: عمّار بن ياسر شخصيّة عرفناها منذ الصغر وفي طيّات كتبنا المدرسيّة، فعرّفيني به أكثر، وما علاقته بالآية المباركة؟ فاطمة: الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر من أوائل مَن أسلم وانجذب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يجتمع مع عدد من المسلمين في دار (الأرقم) سرًّا خوفًا من انتقام قريش حيث يجتمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولمّا سمع أبو جهل بإسلام عمّار ووالديه أمر بإحراق دارهم واقتيادهم إلى الصحراء للتعذيب بالسياط والصخور فوق صدورهم، وكان يمرّ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويبكي رحمةً لهم، ويقول (صلى الله عليه وآله): "صَبرًا يا آلَ ياسِر، فَإِنَّ مَوعِدَكُمُ الجَنَّةُ".(1) طلبوا منهم أن يذكروا آلهة قريش بخير فرفض ياسر وسميّة فاستُشهدا، أمّا عمّار فأعطاهم بلسانه ما أرادوا، ونزلت الآية تخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فقال قوم كَفَر عمّار، فقال رسول الله (عليه السلام): "كلّا إنّ عمّارًا مُلِئ إيمانًا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه" وجاء عمّار وهو يبكي، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): "ما خبركَ؟" فقال: شرّ يا رسول اللّه، ما تركتُ حتّى نلتُ منكَ، وذكرتُ آلهتهم بخير، فصار رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه، ويقول: "إن عادوا لكَ، فعدْ لهم بما قلتَ".(2) ناهد: ماذا نستفيد من قوله تعالى: (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)؟ فاطمة: تبيّن الآية أنّ هناك علاقة بين الطمأنينة والإيمان، وأنّ الإيمان هو أحد روافد الطمأنينة. ويمكن أن نستفيد ذلك من آية أخرى كذلك، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ (الفتح: 4)، فالسكينة من ثمار الإيمان، والله (سبحانه وتعالى) هو الذي أودع هذه السكينة في القلوب المؤمنة. وفي ظلّ الإيمان نرى الإنسان يعيش السكينة والهدوء وراحة البال والطمأنينة، فهو مع ما تعترضه من هزاهز ومكاره إلّا أنّه ثابت كالجبل. ناهد: لماذا يفتقر بعض المؤمنين إلى الطمأنينة؟ فاطمة: المسألة بحاجة إلى مراجعة، فثمّة خلل موجود، فالطمأنينة لا تتوافر وتحصل في ظلّ إيمان صوريّ شكليّ غير متجذّر في القلب، إيمان ضعيف هشّ، إيمان يتخلّى عنه صاحبه إذا عارض مصالحه وأهواءه. فالإيمان الذي يكون في اللسان ولا يُترجم إلى عمل صالح والتزام، لا يُثمر طمأنينةً، وقد عبّر (صلى الله عليه وآله) عن ذلك بقوله: "ليسَ الإيمانُ بالتَّحَلّي ولا بالتَّمَنّي، ولكنَّ الإيمانَ ما خَلَصَ في القلبِ وصَدّقَهُ الأعمالُ".(3) ناهد: ما علامة الإيمان الذي يولّد الاطمئنان؟ فاطمة: واحدة من العلامات الذوبان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه (عليهم السلام) مثلما ذاب عمّار في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي وصيّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالقلب المطمئنّ بالإيمان يتحوّل إلى مواقف تحمّل المسؤوليّة وارتباط ثمّ ذوبان. إذن أيّ إيمان لا يثمر يحتاج إلى ترميم وعلاج وتقوية.. حتّى يجد حلاوة الثمار من طمأنينة وسكينة. يتبع.. ..................................... (1) الجنّة والنار في الكتاب والسنّة: ص٣٧٣. (2) المحاسن والمساوئ: ج٥، ص٢٣٦. (3) ميزان الحكمة: ج1، ص٤٠٧.