رياض الزهراء العدد 172 نافذة على المجتمع
العَرضُ المَسرَحِيُّ في الخِطَابِ الحُسيِنيِّ
تعدّدت العروض المسرحيّة وتنوّعت بتنوّع الموضوعات والأزمان، فبعض منها قد اعتراها النسيان والبعض الآخر ربّما لم يكن ذا شجون؛ إلّا أنّ تصوير واقعة الطفّ بعرض مسرحيّ رسالة شاقّة ومسؤوليّة كبيرة يعمل بها مَن كان يحمل فكرًا وعلمًا ثاقبًا من أجل القيام بها، ويبقى العرض المسرحيّ الحسينيّ متجدّدًا وحيًّا على مرّ السنين لم ينله شيء من الفتور، ولم يصبح في زمنٍ من الأزمان موجةً عابرةً تعتمد على أمور معيّنة، الأمر الذي جعله محطّ اهتمام الجمهور في كلّ زمان ومكان، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على الأثر والتأثير الذي يتركه في نفس المتلقّي، فضلًا عمّا تميّز به من نقاء الفكر الإنسانيّ، ويتجلّى دور المسرح وأهمّيته في تحويل ما هو مكتوب إلى صور ومشاهد متعدّدة. وقد كان لـ(شعبة الخطابة الحسينيّة النسويّة في العتبة العباسيّة المقدّسة) دور كبير في ذلك، فقد امتلكوا كلّ مقوّمات العروض المسرحيّة من ممثّلات ومُخرجات مسرح وروائيّات يمتلكنَ وعيًا واسعًا وإدراكًا لهذه العروض، وبهذا أصبح العرض المسرحيّ الحسينيّ منهجًا لنشر تداعيات وتأثيرات هذه النهضة العظيمة في الإنسانيّة جمعاء عبر تقديم عروض مسرحيّة ملتزمة بالسرد التاريخيّ غير البعيد عن الحقيقة، ولأنّ عملهم كان منصبًّا على الإبداع في العرض المسرحيّ الحسينيّ وأهميّته، والهدف منه والفرق بينه وبين العروض الأخرى (عرض الشارع)، في هذا الإطار حدّثتنا السيّدة (أمّ حسن: تغريد التميمي)/ معاونة مسؤول شُعبة الخطابة الحسينيّة النسويّة في العتبة العباسيّة المقدّسة مشكورةً: إنّ العرض المسرحيّ يكون على خشبة المسرح مع توفير عدّة مستلزمات ومكمّلات لهذا العرض، أمّا عرض الشارع فهو حدث تامّ لا يمكن إدخال أيّ إضافة عليه، بمعنى آخر إنّه نصّ ثابت، وعملنا في شُعبة الخطابة منصبّ على الدمج بين العرضينِ عن طريق التفاعل مع النصّ بطرق فنيّة مُحبكة. وأردفت قائلةً: قد كان الهدف من العرض المسرحيّ الحسينيّ ترسيخ المعلومات الصحيحة والدقيقة في ذهن المتلقّي عن طريق إعطاء نصّ كامل بعيد عن التحريف وموثوق، في زمنٍ قلّ قرّاء الكتب والروايات فيه، والسبب في ذلك انشغال الكثير منهم في مواقع التواصل الاجتماعيّ الذي أصبح الشغل الشاغل لديهم اليوم، وإنّ الجمهور يفضّل الاستماع والمشاهدة على المطالعة، فضلًا عن أنّ الهدف الأساسيّ هو إيصال رسالة أهل البيت (عليهم السلام) ونقل مظلوميّتهم وبعض ما عاشوه والاقتداء بهم. وأكّدت على زخم الجمهور وتوافده من أجل حضور العرض المسرحيّ، وذكرت أنّ عدد الحضور قد يصل إلى أكثر من (1000) متفرّجة في كلّ عرض نقوم بإعداده، والغاية في كلّ ذلك رضا أهل البيت (عليهم السلام). وعن إخراج النصّ بالصورة النهائيّة وإيصاله إلى الجمهور وقوة التأثير فيه تحدّثت السيّدة (أم ضرغام: ابتهال مهديّ صالح)/ منتسبة في وحدة توعية المجتمع. متابعة لرابطة خطيبات المنبر الحسيني التابعة للشعبة: نعمل على إخراج النصوص عبر إجراء عدّة تعديلات فيما يخصّ التقديم والتأخير فيها إلى حين الوصول إلى قناعة تامّة، فضلًا عن الأدوات التي يتمّ عن طريقها إيصال السيناريو إلى الجمهور، واختلاف المشاهد التي تجسّد مظلوميّة أهل البيت (عليهم السلام)، أو قد تكون هذه الأدوات عبارة عن شفرة تكون بين العاملين على إخراج العرض المسرحيّ، فضلًا عن عدد الفرقة التمثيليّة الخاصّة بالشعبة المكوّن من (35) عضوًا. وأردفت قائلةً: يتأثّر الممثّل بالنصّ ثأثّرًا تامّا، وإنّه تنتابه مشاعر متعدّدة وليس شعورًا واحدًا فقط، أي أنّه يعيش حالة النصّ، ويبقى باذلاً أقصى جهوده من أجل إيصال النصّ إلى الجمهور والتأثير فيه، وإنّ الغاية المتوخّاة هي التأثير في الصغير قبل الكبير. ومن الجمهور التقينا بالأخت لمياء الموسويّ التي أعربت عن رأيها قائلةً: إنّ تأثير المسرح في نفوس الناشئة أكثر من تأثير القراءة والكتابة، وأنا شخصيًّا تأثّرت تأثّرًا كبيرًا بالعرض المسرحيّ، وهذا ما جعلني أسعى إلى تثقيف الجيل الناشئ على أحداث الفكر الحسينيّ؛ لأنّنا كنّا في زمنٍ لم نعِ عُظم هذه الواقعة، ولكنّ العروض المسرحيّة جعلتنا نتفاعل معها عقليًّا وعاطفيًّا؛ لكونها تصبّ في إظهار مظلوميّة أهل البيت (عليهم السلام)، والحضور كان كبيرًا جدًّا ومتفاعلًا تفاعلًا لا يُوصف، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على مدى قوّة تأثير المشاهد في النفوس. وقد ذكرت إستبرق سالم، من الجمهور: أحسن الله تعالى إلى هذه الجهود المبذولة، وبارك الله تعالى في جميع العاملين والقائمين عليها، كان العمل متناسقًا ومتناغمًا من حيث الأداء التمثيليّ والصوتيّ، أمّا من الناحية التاريخيّة فقد بيّن مظلوميّة أهل البيت (عليهم السلام) وجرأة أعدائهم الطغاة، فكان العمل دقيقًا وموضّحًا بالتفصيل للأحداث التي سُردت. ومن الجمهور مَن ذكر أنّ العمل كان عظيمًا، وتمّ التركيز فيه على تفاصيل يصعب تمثيلها. وبهذا يمكن القول إنّ العرض المسرحيّ الحسينيّ وسيلة وأداة مهمّة في إقناع الجمهور وهو عمل صادر عن وعي وبصيرة وقصد وإرادة فهي ليست نظريّة فكريّة تعتمد على أصول فلسفيّة، وإنّما هو عمل خاصّ ينقل مجريات أحداث حقيقيّة مرّت عبر سنوات عدّة، لكن لم ينتبها شيء من الاندثار والنسيان فالعمل مستمرّ لملء مضمون هذه المجالس بالتوعية والتربية الإسلاميّة الصحيحة.