رياض الزهراء العدد 173 همسات روحية
العِشرونَ مِن صَفرٍ
مضمون السؤال: احتوت كتب الإماميّة على العديد من الروايات المعتبرةِ بشأن زيارة الأربعين في العشرينَ من صفر، لماذا أكّد الإمام العسكريّ (عليه السلام) على زيارة الأربعين، أكثر من تأكيده على سائر الزيارات؟ مضمون الردّ: تحتمل الإجابة عن هذا السؤال عدّة احتمالات والله العالم، أهمّها: هو يَومُ مُصيبة؛ ويَومُ الكارثة، ويَومُ الفاجعة؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه.. أنّ الإمام العسكريّ (عليه السلام) كأنّه يُريد أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة، فقال: "علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم".(1) وألّا ننسى أربعينَ الحُسين (عليه السلام)!، الإمام (عليه السلام) بكلمتهِ هذهِ، أرادَ أن يعلّمنا هذا الدرس الذي علمنا مغزاهُ في هذا اليوم، من تقاطر ملايين البشر إلى كربلاء، والإخلاص، والذوبان في حُبّ الحُسين (عليهِ السلام) من الصغيرِ إلى الكبير، هو من بركات يومِ الأربعين. الناس في هذهِ الأيام، يبدونَ حبّهم، وشوقهم، وولاءهم للحُسينِ (عليهِ السلام) بشتّى الصور! وخير مثال يُحتذى به هو (جابر بن عبد الله الأنصاريّ)، ذلك الصحابي الجليل كان على رأس الذينَ أحيوا أربعينَ الحُسين (عليهِ السلام)، فقد رُوي عن عطيّة بن سعد بن جنادة العوفيّ أنّه قال: "خرجتُ مع جابر بن عبد الله الأنصاريّ رحمه الله زائرينِ قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، فلمّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم ائتزر بإزار، وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سُعد فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخطّ خطوة إلّا ذكر الله، حتّى إذا دنا من القبر، قال: أَلمسنيه، فألمسته، فخرّ على القبر مغشيًّا عليه، فرششت عليه شيئًا من الماء فأفاق. ثمّ قال: يا حسين - ثلاثًا - ثمّ قال: حبيب لا يجيبُ حبيبه، ثمّ قال: وأنّى لكَ بالجواب، وقد شحطت أوداجكَ على أثباجكَ(2)، وفُرّق بين بدنكَ ورأسكَ، فأشهد أنّكَ ابن النبيّين وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء.."؛ إلى أن قال: لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه"، قال عطيّة: "فقُلتُ لجابر: وكيف: ولم نهبط واديًا، ولم نعلُ جبلًا، ولم نضرب بسيفٍ، والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأٌيتمت أولادهم، وأُرملت الأزواج؟.. فقال لي: يا عطيّة سمعتُ حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: "مَن أحبَّ عمل قومٍ، أشرك في عملهم.. والذي بعث محمّدًا بالحقّ نبيًّا إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه".. قال الراوي: "فلمّا صرنا في بعض الطريق، فقال لي: يا عطيّة، هل أوصيكَ؟.. وما أظنّ أنّني بعد هذه السفرة ملاقيكَ: أَحِبّ مُحبَّ آل محمّد ما أحبّهم، وأَبغضْ مبغض آل محمّد ما أبغضهم، وإن كان صوّامًا قوّامًا، وارفق بمحبّ آل محمّد؛ فإنّه إن تزلّ لهم قدم بكثرة ذنوبهم، تثبت لهم أخرى بمحبّتهم.. فإنّ محبّهم يعود إلى الجنّة، ومبغضهم يعود إلى النار"(3). ................................. (1) بحار الأنوار: ج98، ص٣٢٩. (2) جمع ثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر. (3) بحار الأنوار: ج٦٥، ص١٣1.