رياض الزهراء العدد 173 تنمية البشرية
كُن مُختلفًا..
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أمّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (هود: 118)، تخيّل معي لو أنكَ أغمضتَ عينيكَ لبرهة من الزمن، ثمّ فتحتمها فوجدتَ أنّ كلّ الألوان قد تلاشت، وأصبحت لونًا واحدًا فقط! أو أنّ كلّ النباتات والزهور أصبحت على شاكلة واحدة، بل الأكثر من ذلك أنّه لم يعد هناك فرق بين شذاها وعبيرها، وقِس على ما سبق كلّ الأمور من حولنا من طعام وشراب، حيث لا أنواع ولا نكهات! مجرّد تخيّل أنّ هذا الأمر المريع سيحدث سيدخلنا في دوّامة من القلق والانزعاج النفسيّ، والشعور بعدم الاكتراث للعمل على إحداث أيّ تغيير في أيّ مجال كان، حيث لا فائدة ممّا نفعل ولا قيمة تُذكر أو تُلاحظ له، فما بالكم لو أنّ هذا الانسلاخ من الشخصيّات والقِيم الخاصّة بكلّ فرد يحدث للإنسان الذي على اكتافه تُبنى الأوطان ويُعمّر الكون، فما قيمة الحياة عندئذٍ؟! هذا ما نلاحظه في السنوات المنصرمة من انتشار كثيف للنسخ المتكرّرة من حولنا، نسخ لطريقة ارتداء الملابس، قصّات الشعر، الحركات، بل حتّى تقاسيم الوجوه، فأصبحتَ لا تعرف الأشخاص بسبب ما يتمّ تغييره من الخلقة التي خلق الله تعالى الإنسان عليها، ولعلّ الأدهى والأمرّ من كلّ هذا ألّا تقتصر عمليّة النسخ واللصق على الأمور الخارجيّة فقط، بل تخترق الأفكار والأقوال ومن ثمّ الأفعال، فتجد هناك تقمّصًا جليًا لأفكارٍ مستوردة من الآخر البعيد، التي تتناسب مع بيئةٍ غير التي نعيش بها، فينتج عن ذلك التقمّص وليد مسخ لا ينتمي إلى أيّ من البيئتين، فيكون وجوده وبالًا على منطقته ومحيطه، وهنا نتوقّف لنتساءل: لماذا يحدث كلّ هذا؟ وهل نحن من الضعف والهوان بحيث لا يوجد لدينا مرتكزات نستند عليها، ونقف بكلّ شموخ لتلامس أفكارنا عنان السماء شموخًا وقوةً بالحقّ؟ نحتاج إلى انتفاضة ثوريّة تعمّ أرجاء الذات الإنسانيّة التي بدأت بالانسلاخ عن ماهيّة وجودها، وكنه أخلاقيّاتها السامية، فمثلما قال الإمام عليّ (عليه السلام): "قيمة كلّ امرئ ما يحسنه"(1)، ويكون ذلك بالعلم والتعلّم، ومن ثمّ العمل بما تعلّمه والإتيان به على أحسن صورة وحال ليكون هو القدوة الصالحة والمثال الذي يُحتذى به، فالمجتمع يحتاج بشدّة إلى الأدوات الفعّالة التي تعرف حقّ المعرفة قيمتها وأثرها، ولا يحتاج إلى معامل كبيرة تنتج نسخًا مكرّرة تمّ إعادة تدويرها من فضلات أفكار الآخرين. لذا يجب أن يتمّ اتخاذ القرار والإصرار على تنفيذه بأن تكون مختلفًا عن الآخرين، وأن تصمّم لكَ بصمةً متميّزة في مجتمعكَ، تشكّل نقطة تحوّل ضدّ التيّار الذي يريد أن يجرف كلّ المعتقدات والأخلاق الأصيلة ليصهرها تحت مسمّى التطوّر أو الحداثة المزيّفة، التي سيشعر بعدها الفرد بأنّه أجوف من الداخل ولا وجود له في ظلّ القوى المحيطة به. كُن مختلفًا في تميّزكَ، وقوّتكَ في إيصال رسالة القدوة الصالحة، واترك أثرًا أينما حللتَ ليتمّ عن طريقكَ معرفة نفائس طريق أهل البيت (عليهم السلام)، ومزّق بأصالة خطّكَ القويم كلّ النسخ المشوّهة المكرّرة. ............................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص57.