(أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
ناهد: أستاذة، هل هناك ثغرة أخرى يتسلّل القلق عن طريقها إلى الإنسان؟ فاطمة: حبّ الدنيا ثغرة يتسلّل عن طريقها القلق والتوتّر، فالإنسان يطمئنّ إلى الدنيا، يلهث ويركض وراءها بحثًا عن السعادة والراحة، ولكنّه لا يحصل عليها، والأكثر من ذلك أنّ هذا الانكباب على الدنيا يذيقه الذلّ والهمّ والمصائب. فعن أمير المؤمنين عليه السلام) أنّه قال: "يا أيُّها النَّاسُ، مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ مُوبِىءٌ فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاهُ!، ...وَمَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ بِهَا مَلأَتْ ضَمِيرَهُ أَشْجانًا، لَهُنَّ رَقْصٌ عَلى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ: هَمٌّ يَشْغَلُهُ، وَغَمٌّ يُحْزِنُهُ".(1) ناهد: ما علاج مثل هذا التعلّق المؤدّي إلى الهمّ؟ فاطمة: مَن أراد أن يعالج الهمّ والتوتّر من جرّاء هذه العلاقة، فعليه بذكر الله الذي حذّر مَن الاغترار بالدنيا والركض وراء ملذّاتها، قال تعالى: (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (فاطر: 5)، وقال: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد: 20). ناهد: ماذا يُقصَد بذكر الله تعالى هنا؟ فاطمة: ذكر الله (عزّ وجلّ) هنا يعني ذكر أوامره ونواهيه، فهذا الذكر هو الذي يوجب الأخذ بهذه الأوامر والنواهي، إذ هو العالم بحقيقة الدنيا. ناهد: نرى كثيرًا من الناس يخاف من الموت، بحيث يسبّب له توترًا وقلقًا، فما المخرج من هذا الخوف؟ فاطمة: هناك أناس يتسلّل الخوف والقلق إلى قلوبهم عند ذكر الموت والرحيل عن الدنيا ومفارقة الأهل والأولاد والأحباب، فكلّما سمع بموت أحد أو رأى جنازة ما، تسلّل الخوف إليه وسيطر عليه. هنا ذكر الله يمسح على قلبه اطمئنانًا وسكينة، فعندما يتذكّر الله فسيتذكّر حبّه ونِعمه ورضوانه، وأنّه سيرى أولياء الله الذين كان يتمنّى أن يحظى بنظرة واحدة إليهم في الدنيا، عندما يذكر الله ويذكر جنّته الخالدة، والراحة الدائمة، والسعادة الدائمة التي لا يشوبها قلق ولا تعب ولا آلام، فستسكن نفسه وترتاح. ناهد: هل هناك ذكر خاصّ يمنح الطمأنينة، أو كلّ ذكر لله من خاصيّته منح الطمأنينة؟ وكيف يكون ذكر الله علاجًا للتوتّر والاضطراب؟ فاطمة: الآية تكرّر فيها ذكر الله مرتين: (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد: 28)، وفي المرّتين ورد بشكل مطلق، أي كلّ ما يصدق عليه ذكر الله (سبحانه وتعالى) يسكّن القلب، وفي أيّ وقت وفي أيّ حال يكون فيه الإنسان، وبأيّ حال يذكر الله، سرًّا أو جهرًا، ليلًا أو نهارًا، في الرخاء أو في الشدّة، في المرض أو في الصحّة، فقيرًا أو غنيًّا. عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "...فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ فِي كلّ سَاعَةٍ مَن سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، فَإِنَّ اللَّه أَمَرَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ لَه، اللَّهُ ذَاكِرٌ مَن ذَكَرَهُ مَن الْمُؤْمِنِينَ، واعلموا أنّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مَن عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إلّا ذَكَرَهُ بِخَيْر.."(2)، وهذا الذكر دواء وعلاج، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "ذِكرُ اللَّهِ دَواءُ أعلالِ النُّفوسِ"(3)، وعنه (عليه السلام): "ذِكرُ اللَّهِ يُنيرُ البَصائرَ ويُؤنِسُ الضَّمائرَ".(4) لاحظي حتّى هذه الروايات مطلقة لم تقيّد الطمأنينة بذكر خاصّ، فمَن يذكر الله تعالى، فالله (سبحانه وتعالى) يذكره. وإذا استشعر الإنسان بأنّ الله تعالى يذكره، يذكره برحمته وجوده ورعايته ونعمه عليه، كلّ هذا يبعث في نفسه الراحة والطمأنينة. يتبع... ................................ (1) اختيار مصباح السالكين: ص٦٦٢. (2) الكافي: ج ٨، ص٣١. (3) ميزان الحكمة: ج٤، ص٢٣٢. (4) المصدر السابق نفسه.