(وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)(1)

فاطمة صاحب العوادي/ بغداد
عدد المشاهدات : 335

بالترحاب والبشر استقبلت الثلّة الطيّبة الجارتين الطيّبتين أمّ حسن وأمّ صادق.. الجارتان على غير عادتهما جلستا متباعدتين.. ولاحظت أمّ عليّ ذلك الأمر سريعًا.. تساءلت بلطف وشيء من الدعابة: يبدو أنّ الأمور على غير عادتنا، أليس كذلك؟ أمّ حسن: احكمي بيننا وأنتِ أخت لنا كريمة.. ربّما علمتِ بأنّني اشتريتُ من أمّ صادق بيتًا، واتفقنا على نقل الأثاث بعد إكمال الإجراءات اللازمة، وقد سهّل الله تعالى ذلك، والآن تقول لي بأن نؤجّل الانتقال حتى انقضاء شهر صفر، فهو شؤم ونحس، ومثلما تعلمين بأنّني في وضع حرج، والتأخير يسبّب لي الكثير من المتاعب. هل فعلًا لا يجوز؟ وهل صحيح أنّ شهر صفر نحس وشؤم؟ أمّ عليّ: معاذ الله.. إنّها أيام الله تعالى وليس مع الله (عزّ وجلّ) نحس أو شؤم إلّا إذا أراد الإنسان لنفسه ذلك. أمّ زهراء: لقد كان نبيّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يحبّ الفأل الحسن ويكره الطيرة، وكان يأمر مَن رأى شيئًا يكرهه ويتطيّر به، أن يقول: "اللهم لا يؤتي الخير إلّا أنتَ، ولا يدفع السيّئات إلّا أنتَ ولا حول ولا قوة إلّا بكَ".(2) أمّ صادق: مذ وعيتُ وأنا أرى جدّتي وأمّي تفعلان ذلك، وأنا أخشى على أسرتي من نزول السوء - لا سمح الله تعالى -. أمّ جعفر: ولكن يا أختي العزيزة هذه عادات وتقاليد عرفيّة ليس لها أساسًا شرعيًّا، سواء في القرآن أو أحاديث أهل البيت (عليهم السلام). أمّ محمّد: يقول إمامنا الصادق (عليه السلام): "الطيرة على ما تجعلها، إن هوّنتها تهوّنت وإن شددتها تشدّدت، وإن لم تجعلها شيئًا لم يكن شيئًا".(3) أمّ صادق: لقد سمعتُ حديثًا عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ما مؤدّاه: بشّر الله (سبحانه وتعالى) بالجنّة مَن بشّرني بانتهاء شهر صفر. أمّ عليّ: هناك بعض الأحاديث موضوعة أو ملفّقة.. وهناك أحاديث مقتطعة..، وعلينا الانتباه إلى ما يوافق أصل الشريعة ونهج النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله). أمّ زهراء: ديننا دين الثقة بالله (سبحانه وتعالى) والتوكّل عليه في كلّ شيء، دين العقل والحكمة، دين التفاؤل والبِشر. أمّ جعفر: فلنتدبّر هذا الحديث الوارد عن أئمة الهدى (عليهم السلام): "افتتحوا نهاركم بخيرٍ، وأمّلوا على حفظتكم في أوله خيرًا، وفي آخره خيرًا يُغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله".(4) أمّ حسن: أنا أيضًا أخشى على أسرتي، مثلما أنّني أريد العمل بما يُرضي الله (عزّ وجلّ)، ويقبله الشرع المقدّس، وكنتُ قبل ذلك متردّدة، ولكنّي سألتُ أهل العلم فلم يقل أحد بحرمة نقل الأغراض أو شرائها في شهر صفر، أليس كذلك أخواتي الفاضلات؟ أمّ عليّ: هو كذلك عزيزتي.. نعم في شهر صفر الخير أحداث مؤلمة تخصّ أهل بيت النبوّة الكرام (عليهم السلام) أجمعين، أبرزها شهادة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وشهادة سبطه المجتبى (عليه السلام)، وكذلك شهادة الإمام الرضا (عليه السلام). أمّ زهراء: إضافة إلى ما تبع أحداث معركة الطفّ وشهادة طفلة الحسين (عليه السلام)، وما تعنيه من قتل بشع للبراءة، والمظلوميّة الواضحة للطفولة، وجرائم في حقّ الإنسانيّة. أمّ محمّد: فلا ينبغي لنا مع كلّ هذه الوقائع المؤلمة إظهار معالم الفرح والابتهاج، مواساةً لإمامنا المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ومراعاةً لقلبه المفجوع.. أمّ حسين: نعم، فهذا أقلّ واجب نقدّمه له وهو في غربته وانتظاره. أمّ محمّد بصوت ملؤه الثقة والمواساة: عجّل الله تعالى فرجه الشريف. أمّ علي مخاطبة أمّ صادق: والآن يا أمّ صادق.. ماذا تقولين؟ أمّ صادق: ماذا أقول؟ رضا الله (سبحانه وتعالى) هو أملي، وأهل البيت (عليهم السلام) وسيلتنا إلى الله، ونحن الأخوات في الله وفي الولاية، والقول ما ترضاه أمّ حسن. الثلّة الطيّبة والجارتان: الحمد لله (عزّ وجلّ). .......................................... (1) الطلاق: 3. (2) بحار الأنوار: ج77، ص153. (3) وسائل الشيعة: ج8، ص262. (4) أصول الكافي: ج2، ص149.