رياض الزهراء العدد 173 لحياة أفضل
كُونِي مَهدوِيَّةً
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مَن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (النساء: 1)، إنّ الله (عزّ وجلّ) خلق الرجل والمرأة من نفس واحدة، إضافة إلى كونهما في مرتبة واحدة من الناحية الإنسانيّة عنده (سبحانه وتعالى)، فقد ساواهما في الأجر والثواب، قال الله تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97)، ومن ثمّ أوكل إليهما الكثير من الواجبات والحقوق التي يتشاركان فيها مع اختلاف البنية الجسمانيّة والنفسيّة لهما، ومن الأمور التي يتشاركان فيها هو دورهما في عصر الغيبة، وبما أنّ المرأة هي نصف المجتمع والمربّية للنصف الآخر، فما الذي يتوجّب عليها فعله بصفتها طرفًا أساسيًا ومهمًّا في هذا المشروع الإلهيّ؟ وكيف لها أن تمهّد لقيام دولة العدل؟ ممّا لاشكّ فيه أنّ للمرأة قابليةً ليس لدى أكثر الرجال، وهي العمل في البيت لتدبير منزلها وتنظيم حياة أسرتها وتربية الأطفال، والشؤون المنزليّة من جهة، ومن جهة أخرى نشاطاتها في خارج البيت بصفتها موظّفة ممتازة أو عاملة محترمة، وهذه النقطة هي التي تكشف عن دورها في المجتمع وتأثيرها فيه، الأمر الذي يبدو أنّه كان منذ بدء الحياة ومنذ أن خلق الله (سبحانه وتعالى) الخلق إلى يومنا هذا، الدور الذي تطوّر على مدى عمر الإنسان بأشكال مختلفة، حيث يتّضح ذلك من الأدوار التي أدّتها المرأة في بناء تاريخ الإسلام وتشييد الشريعة الإسلاميّة كقول الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في حقّ السيّدة خديجة (عليها السلام) ودورها المتميّز في صدر الإسلام: "ما قام ولا استقام ديني إلّا بشيئين: مال خديجة وسيف عليّ بن أبي طالب"(1)، خُطب وسيرة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في المدينة، وخُطب السيّدة زينب (عليها السلام) في الكوفة والشام، وأنّ المرأة في عصر غيبة وليّ الله الأعظم (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) لها دور لا يمكن أن يُغفل، إذ يقع عليها واجب التبليغ ونشر العقيدة المهدويّة، والعمل على تربية الجيل الجديد لغرض بناء قاعدة شعبيّة قادرة على استيعاب الأطروحة المهدويّة، وفهم فلسفة النهضة العالميّة وأهدافها، وأنّ التهيّؤ لنصرة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يحتاج إلى تواصل مع الذات، وثقة عالية بالنفس بحيث لا تختلط عليكِ الأمور، وهذا يتمّ بالاطمئنان القلبيّ والتسليم لأمر الباري (عزّ وجلّ)، وعدم الحكم على الأشياء أو الأحداث التي تجري حولنا بأحكام غير منطقيّة، متناسين واجبنا في زمن الغيبة ألا وهو الورع، وانتظار الفرج؛ لنكون مميّزين عن الآخرين، فإذا أردنا نصرة الإمام الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) فعلينا بمحاسبة أنفسنا، وإصلاح أعمالنا، وتقويم أفعالنا، لعلّنا نكون من أنصاره، وأعوانه؛ لأنّ من أولويّات النهضة المهدويّة الاستعداد الروحيّ لنصرته، فالهدف من ظهوره (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) إصلاح ما فسد، وإنقاذ ما تبقّى من الدين، ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، فإذا أدركنا تقصيرنا في الواجبات وقوّمنا أنفسنا، فسنكون حتمًا من الصادقين كلّما نادينا: "اللهمّ عجّل لوليّكَ الفرج"، فالإمام أعلَمُ بأنصاره من أنفسهم، وأعمالنا تُعرض عليه، وإنّه ليستاء كلّما ارتكب المؤمن معصية، فمَن أراد تعجيل الفرج فعليه بالاستقامة والصدق، عبر مطابقة أعماله مع ما يُرضي الله (سبحانه وتعالى). .......................................... (1) الكافي: ج1، ص298.