إِيثارُ الغَيرِ عَلى النَّفسِ قُربةً إلى اللهِ تَعالى

رحاب سالم البهادليّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 137

من الجميل أن تؤثر الآخرين على نفسكَ وتبني عن طريقه منهجيّة، فلكلّ بناء أساس، ولكلّ طائفة مرجع، ونحن أساسنا ومرجعنا القرآن الكريم والعترة الطاهرة (عليهم السلام)، نزل جبرائيل (عليه السلام) وقال: "خذها يا محمّد! هنّأكَ الله تعالى في أهل بيتكَ، فأقرأه السورة. قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان: 8-9)"(1)، رواية معتبرة وآية اتفق عليها علماء العامّة والخاصّة بأنّها نزلت بحقّ الإمام عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وخادمتهم فضّة، والقصّة معروفه، رواها ثقاة العلماء، بأنّهم كانوا صيامًا وتصدّقوا بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير، فصار إطعام الطعام قربةً إلى الله تعالى وعلى محبّتهم شعيرة مقدّسة عند محبّي أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم. ففي كلّ عام تمتَدّ مائدة كبيرة تحتوي ما لذّ وطاب من خيرات الله (عزّ وجلّ)، توزّع على زائري الإمام الحسين (عليه السلام)، وعلى مرّ الزمان سار الشيعة على نهج أئمتهم (عليهم السلام). فترى منهم مَن هو محتاج إلى هذا الطعام الذي يوزّعه على زائري الإمام الحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين، لكنّه اتخذ من منهج أهل البيت (عليهم السلام) قدوة في العطاء والإيثار قربةً إلى الله تعالى، فهم أورثونا روح العطاء في أجواء الحرمان، فالحرمان الذي يصيب بعض الفئات الاجتماعيّة المحرومة الخاضعة لبعض الظروف، مثلما هو حال اليتم في اليتيم، والفقر في المسكين، والأسر في الأسير، فهم يعانون الجوع في كثير من الأحيان، لكنّهم يجدون لدى هؤلاء الأبرار انفتاحًا على حاجاتهم الغذائيّة، فيقدّمون لهم الطعام في لمسةٍ تعبيريّةٍ رائعةٍ، في الوقت الذي قد يكونون هم أنفسهم محتاجين إليه في حياتهم، وهم الذين كانوا صائمين ولم يفطروا سوى على الماء، فآثروا على أنفسهم وقدّموا طعامهم إلى المسكين والفقير والأسير، ومن هذه الروح وهذا الأساس جرت العادة في الأول من شهر محرّم الحرام حتى نهاية شهر صفر بأن يُطبخ الطعام ويوزّع مِن قِبل محبّي أهل البيت (عليهم السلام) قربةً إلى الله تعالى وعلى حُبّ الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، هذه الشعيرة التي زرع بذرتها أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا المهرجان العالميّ المتمثّل بأربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، النابع من ثقافة هادفة وبذرة طيّبة زرعها أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) عندما تصدّقوا بقرص الرغيف الذي كانوا يملكونه للمسكين واليتيم والأسير قربة إلى الله تعالى، لتكون هذه البذرة لشيعتهم ومحبّيهم شجرة مثمرة، تنشر الخير والمحبّة، فما جاء في الآية الكريمة نبع منه هذا العطاء الذي نراه اليوم في زيارة الأربعين من إكرام الضيف ومراعاته في أيام سفره، فمحبّو أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم يقولون: نبذل الغالي والنفيس ونكرم الزوار، ولا نريد منهم جزاءً ولا شكورا ، إنّما نطعمهم على حبّ محمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، ونتقرّب بذلك إلى الله تعالى، ونطلب الشفاعة من محمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين)، يوم لا ينفع مال ولابنون إلّا مَن أتى الله بقلب سليم. ................................... (1) الكشّاف: ج4، ص671.