رياض الزهراء العدد 173 لحياة أفضل
سُطُوعُ نَجمٍ
أن تُعلن البراءة من كلّ شيء، من العالم بأسره، من الحال التي أبصرت النور عليها، ليس لأحد يد في الحال التي نشأ عليها، في الوطن الذي احتواه والأهل الذين احتضنوه منذ أنفاسه الأولى، لا يد له بكونه أُذِّن في أذنه اليمنى، أو عُمّد في كنيسة أو بوركت ولادته في معبد وثنيّ، لا قدرة خارقة لنا للتحكّم في أيّ ممّا ذُكر، حتّى عمر معيّن نحن بريئون، لم نُولد بعلم سماويّ، ولم نُخلق بسجّل من الصواب الذي سيرافقنا طوال حياتنا القادمة، بل جُعل لنا عقل نُدير به الأمور، عقل نتميّز به عن الدوابّ، فنعرف كيف نصنع أنفسنا، وكيف نميّز جادّة الصواب، مَن نحبّ ومَن نتجنّب، مَن سيكون معينًا لنا، ومن سيكون ثقلًا علينا، مَن سيوصلنا إلى برّ الأمان، ومَن سيجعلنا نقف على حافّة الهاوية!. أنتَ نِتاج نفسكَ فحسب، وما تريد أن تبني نفسكَ عليه، نتاج تراكماتكَ، اخفاقاتكَ، نجاحكَ، التفاصيل الصغيرة التي تصنعها بنفسكَ لنفسكَ، بعد مرحلة عمريّة محدّدة، كن متيقّنًا من أنّكَ مسؤول عن كلّ ثانية تمرّ من عمركَ، عن كلّ الأيام التي تُسجّل في تاريخكَ، لم يكن لكَ الحقّ في اختيار بدايتكَ ولكن لكَ حقّ اختيار نهايتكَ، لم تكن مذنبًا في ساعة ولادتكَ، لكنّكَ ستكون آثمًا في ساعة موتكَ إن متّ على حالٍ لم تكتسب فيها شرف المرور بالحياة والخروج منها بفخر، تاركًا أثرًا طيّبًا يُترحّم عليكَ من بعده. بيدكَ زِمام الأمور، ومقود المركبة، لكَ وحدكَ إمكانيّة صنع الحياة في روحكَ، وإمكانيّة مقاومة الاحتضار الذي تصل إليه في كلّ مرّة تصفعكَ فيها الحياة بقسوتها، القدرة على المضي قدمًا رغم وعورة الدرب، والإبقاء على عينيكَ على اتساعهما رغم انتشار الغبار في الجوّ، والمحافظة على رأسكَ مرفوعًا وإن أُرغمت على خفضه. محاربتكَ لجهلكَ، بدائيّتكَ، سرعة غضبكَ، الأصدقاء المحبطين من حولكَ، صحّتك المتداعية، ضعفكَ واستخفافهم بقدراتكَ، درجاتكَ السيّئة في الدراسة، والساعات التي تقضيها والسمّاعات في أذنيكَ والهاتف المحمول في يدكَ. أنتَ مسؤول عن الحياة التي تقضيها بلا حياة، عن الأيام التي تمرّ عليكَ من دون أن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام، ومداومتكَ على مكانٍ واحد تظنّه زاوية الراحة التي لا تتجرّأ على عبور حدودها. مهما اهتمّ الآخرون لأمركَ فلن يصل اهتمامهم بكَ إلى الدرجة التي تعرف أنتَ بها نفسكَ وتعلم كيف تسمو، بكلّ بساطة عليكَ أن تكون مستعدًا للخطوة التالية، لمجابهة العقبات على اختلاف أحجامها، أن تزيحها جانبًا وتكمل طريقكَ، أن تقتلع الأعشاب الضارّة التي تنمو أمامكَ فتحجب عنكَ نور الشمس؛ لأنّكَ تعلم في قرارة نفسكَ أنّ لكَ نجمكَ الخاصّ في هذا العالم، وأنتَ مَن ستتحكّم بقوة بريقه، وأن تتيقّن من أنّ شدّة الظلام من حولكَ لن تزيدكَ إلّا سطوعًا.