رياض الزهراء العدد 173 الحشد المقدس
الشَّغَفُ بالحُسينِ (عليه السلام)
تتداول الجُمل: ابن الطبيب يصبح طبيبًا، وابن المهندس يصبح مهندسًا، وابن المعلّم يصبح معلّمًا. وكلّ ابن يعمل فهو يمدّ عمل أبيه؛ ليستمرّ ذكره بعد رحيله، ولكن لم تتداول جملة: ابن الشهيد يصبح شهيدًا, علمًا أنّها أكثر واقعّية وتطبيقًا في وقتنا الحاضر لمحبّي آل البيت (عليهم السلام), فمنذ شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وجميعنا أولاد شهيد وكلّنا يتامى, يتامى الحُبّ الإلهيّ الذي يزداد يومًا بعد يوم، وتكبر فجوته في داخلنا بمرور الوقت وبتأخّر ظهور الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف). فقد اعتاد شهداؤنا أن يكونوا أبناء شهداء وإن لم يكونوا كذلك فقد نسبوا أنفسهم روحيًا ووجدانيًا إلى سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام). قال الله تعالى: (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران: 170) وكلّ ملامح الانكسار كانت تعلوهم، ولكنّهم استمرّوا في الدفاع والسعي في نثر ما رُوي عن آل البيت (عليهم السلام)؛ لكي يؤكّدوا ما قالته سيّدتنا زينب (عليها السلام): (واللهِ لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا) مبغضين أعداءهم وكارهيهم. فشبابنا يستوصون بالأرض والعرض، ويتنازلون عن متاع الدنيا لكي يحظوا بمتاع الآخرة مع الحبيب الأوليّ ولكي يمدّوا في رسالة الحسين (عليه السلام) وتضحياتهِ إلى أبعد المدى. يتنافسون على الموت للقائه، ويخدمون في سبيله طوال حياتهم حتّى بعد مرور عقود على الطفّ.. تلك المعركة التي أثبتت أنّ الانتصار الحقيقيّ ليس بالقتال والوحشيّة أو الموت, بل الانتصار الحقيقيّ هو أن تهزم عدّوكَ فكريًا ودينيًا، واثبت للجميع أنّ خسائركَ ربح عظيم في الدنيا والآخرة، وأنّ الثبات على دينكَ ومذهبكَ أهمّ من حياتكَ وحياة أحبّ الناس إليكَ. وعلى ذلك النهج سار أبطال حشدنا بعد أن اهتزّت أعمدة الصحن الحسينيّ المقدّس بفتوى الدفاع الكفائيّ، وتسارع الفتية على نهج خسارة الأرواح والفوز بالأرض والعرض والنهضة الحسينيّة الممتدّة من رسالة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، فترى صغيرهم وكهلهم تقدّم من أجل نصرة أسياده ومقدّساتهم وحمايتهم. فالتضحية بالنفس ليست من الأمور الهيّنة على أيّ بشر كان، وأجساد أولئك الأبطال هانت عليهم ليثبتوا أنّ عشق الحسين (عليه السلام) فلا أعزّ ولا أهمّ منه. روح الإنسان أجلّ ما يملك، فهي أمانة العزيز الجبّار، وحشدنا صان وأعاد تلك الأمانة بعد أن جلَّخها بحبّ الحسين (عليه السلام)، وفي سبيل الحسين (عليه السلام)، ومن أجل الحسين (عليه السلام). فطمعهم في اكتساب شغفه كافيًا بأن يرضيهم ويسعدهم، واستقباله لهم في الجنان أقصى أمنيّاتهم وأحبّها إلى قلوبهم. قال الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169).