رَمادٌ يُسقِطُ إمبراطورِيَّةً!

جاح حسين الجيزانيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 144

البطولات تترى والانتفاضات تتواصل، لم تهدأ الأصوات المعارضة لحكم الظالمين، ولم تستطع آلة إعلام الأمويّين من إخراس حنجرة الثائرين، وكلّ يوم جديد يحمل بين جنباته حدثًا جليلًا وعاصفةً تكاد تدكدك الحكم القائم على جماجم الشهداء، إنّها شهادة (زيد) الشهيد. ذلك الحدث العظيم زلزل أركان حكمهم، وقوّض بنيانهم، وأسقط إمبراطوريّة حكمت المسلمين عهدًا طويلًا بالترهيب تارة، وبالترغيب تارة أخرى، إنّه عهد ظلاميٌّ بامتياز. ابتدأ بقتل سبط النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الكرام، مرورًا بالثائرين الذين واصلوا درب الجهاد بعد واقعة الطفّ الأليمة وانتهاءً بمقتل زيد بن عليّ (عليه السلام)، لعلّ البعض يعترض على عنوان المقال قائلًا: أنّى لرمادٍ يُذرى في الريح لا حول له ولا قوة أن يُسقط إمبراطوريّة كبيرة مترامية الأطراف كإمبراطوريّة بني أميّة؟! وكيف برماد خفيف أن يزيح حكمًا قائمًا قد ركّز قواعده في المعمورة، حتّى دانت له الرقاب مخافة القتل والبطش والتنكيل؟! إنّها معادلة صعبة حقًا. إلّا أنّ الشهيد زيد بن عليّ السجّاد (عليهما السلام) سجّل بشهادته علامة فارقة في سير الأحداث، فبلغ درجة عظيمة في سلّم الشهادة، فلم يشبهه أحد من بعد الحسين (عليه السلام) وصحبه، وما كانت شهادته إلّا واحدة من الشهادات المتميّزة بالتفرّد. هو مقتول لا محالة، هكذا كان الشهيد زيد (عليه السلام) ينظر إلى نفسه وكأنّه يخاطب تلك النفس قائلًا: إن كان لابدّ من القتل فليقتلوني، فما أنا إلّا امتداد لمنهج جدّي الحسين (عليه السلام)، لكنّه لم يكن يعلم بأنّ شهادته ستكون فريدة في سجّل الشهادات، ومقتله سيكون زلزالًا يطيح بالرؤوس، فيُنهي المهزلة ويرديها نحو المزبلة. يُقتل الشهيد زيد (عليه السلام) بعد أن قاد هو ورفاقه ثورة الرفض، ويُدفن في قبره رضوان الله عليه، لكن السلطان الجائر لم يشفَ بعد غليله بقتل حليف القرآن، فأمر بأن يُخرج جثمانه ويُصلب في الكناسة لأربع سنوات، ثم يُحرق حتّى يُصبح رمادًا.(1) أيّ حقد هذا الذي استحكم في نفس الطاغية هشام بن عبد الملك حتّى قاده خوفه وهلعه إلى إخراج الشهيد من قبره؟! ألم يَدُر في خلده أنّ رماد الشهيد قد يودي بحكمه المتعجرف نحو الهاوية؟! وهكذا كان ذلك الرماد الذي أذروه في الرياح في الثالث من شهر صفر عام (121هـ)، جعله الله عاصفة دكّت إمبراطورتيّهم إلى القاع، وعجّلت في نهايتهم، إذ لم يمضِ على استشهاده أكثر من أحد عشر عامًا حتّى انهار الحكم الأمويّ، وولّى إلى الأبد، إنّه القصاص الربّاني العادل في أعظم تجليّاته. .................................. (1) موسوعة سيرة أهل البيت (عليهم السلام): ج39، ص282.