رياض الزهراء العدد 173 منكم وإليكم
دَمعةٌ وأَذانٌ
ابنة الشريفين وأخت السيّدين وربيبة بيت الوحي.. ثورة بركان في قالب امرأة.. تلفّع اسمها بالإباء.. تجلببت بالعفاف.. وتسنّمت التقوى.. هي مولاتي زينب (عليها السلام)، ترعرعت وهي مدركة لدورها الوجوبي الذي أعدّته لها عناية السماء.. كحجّة متمّمة لدور أخيها سيّد الشهداء (عليه السلام).. وهذه العناية قد زوّدتها بذلك الحضور الذهنيّ الشفّاف، واللسان الفصيح اللاهج بتلك البلاغة الطالبيّة والرؤية العلويّة.. كانت في مجمل مواقفها تفرض حضورها بشخصها وحضورها على النفوس.. تُقنع بفصاحتها العقول.. فكانت (عليها السلام) الصرخة المدويّة التي هزّت الأركان وتردّدت في فضاءات الأكوان.. لقد برهنت أنّ الهدف الرساليّ الذي أكملته وربطته بشغاف قلبها.. هو الأسمى.. لم يكن أحد من أهل بيت العصمة (عليهم السلام) مختارًا لإتمام المهمّة غيرها.. لقد أنجزتها ورسّخت العقيدة وأعلت كلمة الحقّ.. ولم تكن هذه المهمّة سهلة مثلما يظنّ البعض! بل تكاد تكون مستحيلة لو حاول أحد القيام بها.. وقفت بطلة كربلاء وقفة شموخ لا تعرف للهزيمة لونًا.. ولا للخنوع دربًا.. ركّزت في مسيرتها على إيقاظ الضمائر، في كلّ خطبة كانت حركة انعطافة واستفاقة للمجتمع.. لم يعرف الوهن قلبها.. ولا هدأت روحها ولا استكانت.. بل كانت تغمرها بالحبّ الإلهيّ وتسقيها من نبعة الشعور الصافيّ التي تنهال عليها من فيوضات المنّان، وتتخلّق لها مثاليّات الاصطفاء والإخلاص، وتحيل حاضرها ليصبح ماضيها كالآتي.. وتحوّل وعدها إلى مستقبل لبشرى عظيمة، لدقّ أسفين الحقّ وتنسج الحروف القدسيّة بالرفعة.. ووراثة الإمامة بالسموّ القدسيّ.. وعندما تكون المشاعر بهذه الشفافيّة العالية ترى بريق زهرة طافحة بالندى والشذى.. وهذا بالضبط ما جال في فؤادها وربط بين أضلاعها.. فحوّلت آلامها العظمى إلى لذّة روح باركتها الملائكة المرفرفة على أرض المنيّة.. فرأت كلّ ذلك جميلًا.. لأنّه بعين الله تعالى. لكن نجوم السماوات واجمة حزينة.. أطرقت برأسها وسالت دموعها دمًا حزنًا على سيّدة الخفرات.. وفخر المخدّرات.. لقد ألقت سيّدة الصبر خُطبًا كالبذرة في أعماق العقول.. وتبثّها كنقطة ضوء في دهاليز صدورهم المظلمة إلى أن أصبحت إشعاعًا يجذبهم ويلقيهم إلى مداها.. حتى اتسعت مداركهم لمبادئ عاشوراء التي أوصلتها العقيلة إليهم.. وأخذت هذه المبادئ تستنهض قرائحهم وأذهانهم.. بعد أن أصمّوا أسماعهم عن نداءات سبط الرسول حينما نبّههم.. رضاعهم بصبابة كصبابة الإناء، ومسرّتهم بخس العيش كالمرعى الوبيل، وبتجاهلهم ما يرونه من باطل.. إلى أن قدّم نفسه أنموذج تضحية حيّة هزّتهم من الأعماق. نعم، وإن كانت واقعة كربلاء قد وضعت أوزارها، إلّا أنّ اللبوة الطالبيّة لم تضع وزرها يومًا.. لم تتقاعس عن تكملة دورها المرسوم بيد القدرة.. وكان طبيعيًا أن تزيد من وتيرة كشفها عن الحقائق التي حاول بنو أميّة - لعنهم الله - إخفاءها عن العوامّ من الناس، فانطلت عليهم الخدع والأكاذيب والتزييف.. وما إن وصلت ودائع الرسالة مدينة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى اتقدت كشعلة واحدة تصل ليلها بنهارها في إقامة مجالس العزاء حزنًا على سيّد الشهداء والثلّة من أهل بيته وصحبه الكرام (عليهم السلام). وقد فعلت تلك المجالس فعلها في النفوس بإثارتها الغيظ والحنق على جرائم بني أميّة - لعنهم الله - وتهيّجًا للخواطر والمشاعر لقتل حزب الله النجباء.. بحزب الشيطان الطلقاء.. ولاتزال راية العقيلة ترفرف خفّاقة بيد الأبطال المدافعين الذين سمعوا صوتها فوعوا الدرس.. وساروا على نهج الحقّ.