قَبرٌ بِأرضِ طُوسٍ

د. سحر ناجي المشهديّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 129

مثّل الإمام الرضا (عليه السلام) الغربة بجميع معانيها، فقد حَظي بامتياز خاصٍ في شخصه الكريم، فهو في غنى عن الذكر والسرد، وقد تسمّمت أقلام المؤرخين للتكسّب من حكّام بني أميّة، فطرحوا روايات وأحاديث وقع في سلسلة سندها رواة من غير الشيعة ومحدّثيهم، مما ينمّ عن تعصّب أعمى، وعلى العكس من ذلك كانت المقاييس لدى الشيعة، إذ كان التوثّق وصدق الراوي همّهم الأكبر، وحكموا على الرواية بدليل سند روايتها. قال دعبل الخزاعيّ في مدح آل البيت (عليهم السلام) قصيدة سمّيت بالتائية: مدارسُ آياتٍ خَلت من تلاوة ومهبط وحي مُقفر العرصات واستمرّ دعبل إلى أن ألحق الإمام الرضا (عليه السلام) البيتين الآتيين بقصيدته: وقبر بطوس يا لها من مصيبة إلى الحشر حتى يبعث الله قائمًا توقّد في الأحشاء بالحرقات يفرّج عنّا الهمّ والكُربات(1) وقد سأل الإمام (عليه السلام) عن هذا القبر، فأجابه (عليه السلام): (قبري فلا تنقضي الليالي والأيام حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري)، وقد تولّى الإمامة بعد أبيه موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وقد كان يقيم في المدينة المنوّرة، فانتقل إلى خراسان بطلب من المأمون، وكان (عليه السلام) ناصحًا له بعدم تولّي ولاية العهد، فدسَّ السُّم إليه بالرمان، وقيل العنب، من الطعام الذي أطعمه المأمون، ومشى خلف جنازته حافيًا، فكانت شهادته (عليه السلام) سنة (203هـ) من شهر صفر، وكان عمره الشريف خمس وخمسون سنة، وقيل: شهادته في الثالث والعشرين من ذي القعدة. و قيل: إنّ المأمون أصرّ على الإمام الرضا (عليه السلام) أن يتسلّم ولاية العهد، وصادف في صلاة العيد فانصهرت عواطف الجمهور وهو دعوة صريحة، فحذّر الفضل المأمون من تصاعد الموقف لانقلاب الناس على الحكم، وكان للإمام أسلوب منقطع النظير في دعوته الخاصّة، فاشترط لقبول ولايته ألّا يأمر ولا ينهى، ولا يعزل ولا يولّي أحدًا، ليشعر صلاحية الحكم، وقد حاول المأمون إقحام الإمام مع الفِرَق والملل والطوائف المختلفة، فعقد ندوات وحوارات عديدة دعا إليها جهابذة العصر، وفي كلّها خرج الإمام منتصرًا على خصومه بالحجّة الدامغة فأثبت الحقّ وأبان المعجز. .......................... (1) ديوان دعبل الخزاعيّ: ص59.