رياض الزهراء العدد 173 منكم وإليكم
الإمَامُ الحَسَنُ (عليه السلام).. وتَحدِيدُ المَسارِ
قد تأخذ بنا ظواهر الاحداث إلى الحكم بما نراه مناسبًا والجزم بصحّة ما نعتقد، في حين قد يكون للواقع قراءة اخرى منعت ملابسات معيّنة من إدراكها. ولو جرت المقادير أن تقع امثال تلك الاحداث ذات الملابسات في ادارة المعصوم لشؤون الأمة، قد تذهب قناعة البعض في منحىً لا يسلم من الشكّ في صحّة الموقف الذي اتخذه المعصوم. إن الامام الحسن (عليه السلام) هو اكثر الأئمة الذين عاشوا ظروفًا حسّاسة، أضحت الفتن فيها تقلب وجوه الحقّ، وتجعل منه ريبًا. ولعلّ الصلح الذي جرى مع معاوية أبرز ما اتخذ مثالًا للتضليل الإعلاميّ(1)، حيث قُدّم على أنّه تنازل عن منصب الخلافة لمعاوية وإضفاء الشرعيّة على حكمه. ولكي لا تأخذ المؤمن أمواج الشبهات إلى جرف الريب، فلابدّ من أن يتمسّك بمسارات آمنة لا يخرج معها عن العقيدة الحقّة. ومَن لم تتبيّن له تلك المسارات بالإشارات النبويّة إلى أنّ الصواب في جانب الإمام الحسن (عليه السلام) ومعه، وأنّ الحسنين إمامان قاما أو قعدا. لابدّ من ألّا يغفل عن وجهة الحقّ، بعد الالتفات إلى الضرورات التي لا تُنكر، وأهمّها: 1- الضرورة العقائديّة: إنّ الأشخاص الذين أوكل إليهم إبلاغ الرسالات لا يمكن أن يقع منهم إضلال الناس، ولا التغرير بهم، مثلما أنّ تصرّفهم موافق للحكمة والمصلحة التي تقتضي كشف الزيف الذي لو بقي خفيًا لأضرّ وفتك. فالصلح الذي جرى مع معاوية هو من مهامّ القيام بالدين وحفظه. فالتنازل عن تولّي سلطة الدولة كان سبيلًا لحفظ الإسلام من خطر عظيم.(2) 2- الضرورة العقليّة: لو كان الصلح أمارة على منح الشرعيّة لحكم معاوية وتسليم الخلافة له، لبان ذلك في جوانب الحدث، فالواقع يحكي الخلاف. فشروط الصلح من جهة، وبيان الإمام الحسن (عليه السلام) لعلّة الصلح والأسباب الداعية إليه من جهة اخرى دليل على عدم قبول إمرته وحكمه. فملاحظة جميع ما أحاط بالصلح يبرز بوضوح أنّ هناك مؤشرات على عدم وجود أيّ موقف رضًا بتسلّم معاوية، وأنّ الصلح إنّما هو مشروع تدورك فيه الأهمّ من مصالح الأمة. فقد صرّح الإمام الحسن (عليه السلام) بأنّ اختيار الصلح كان لحفظ دماء الشيعة ونفسه الطاهرة، وأنّه سبيل لقطع الطريق أمام التآمر والحيلولة دون أهداف معاوية، وكشف جوره وأنّه لا عهد له. ورغم ذلك لم يكتفِ معاوية بنقض العهد ظاهرًا، بل ما برح يصطنع الوسائل إلى التخلّص من الإمام الحسن (عليه السلام)، حتّى ظفر بمَن أخلص له بذلك بالغدر والخديعة. …………………… . (1) علل الشرائع: ج1، ص211. (2) بحار الأنوار: ج44، ص3.