رياض الزهراء العدد 173 صحة العائلة النفسية
التَّفاؤُلُ والتَّشاؤُمُ لدى النَّاسِ
تعدّدت معاني مفهومي التفاؤل والتشاؤم لدى الناس، إذ يرى معظمهم بأنّ التفاؤل هو نظرة استبشار نحو المستقبل تجعل الفرد يتوقّع الأفضل، وينتظر الأشياء الإيجابيّة، بينما التشاؤم هو توقّع سلبيّ للأحداث القادمة يجعل الفرد ينتظر حدوث الأسوأ ويتوقّع الشرّ، ويتشاءم مثلًا من رقم (13)، أو شهر (صفر)، أو حيوان (البوم).. والخ. إنّ التفاؤل عمليّة نفسيّة إراديّة تولّد أفكارًا إيجابيّة، ومشاعر الرضا والأمل والثقة، وتبعد الأفكار السلبيّة ومشاعر اليأس والانهزاميّة والعجز، فالمتفائل يفسّر الأزمات تفسيرًا حَسنًا ويبعث في النفس الأمن والطمأنينة، وينشّط أجهزة المناعة النفسيّة والجسديّة، والحفاظ على الأفكار الإيجابيّة حاضرةً في الذهن، ورؤية الجوانب الإيجابيّة باستمرار في الحياة، ممّا يجعل المرء يتحرّر من السوداويّة ويبحث دائمًا عن كيفيّة تجاوز الصعوبات، ويزيد من الإنتاجيّة والدافعيّة والابتعاد عن الاكتئاب والشعور بالإنجاز والنجاح، ويخلق للمرء معنىً للحياة ويقوده إلى الإبداع واكتساب المهارات الحياتيّة، ممّا يقلّل من تعرّضه للأمراض النفسيّة ويخفّف من وطأة تأثير الأمراض الجسديّة، بينما يُعدّ التشاؤم مظهرًا من مظاهر انخفاض الصحّة النفسيّة لدى الفرد؛ لأنّه يستنزف طاقة الفرد ويقلّل من نشاطه ويضعف من دوافعه ويؤدّي إلى الإصابة بالإمراض الجسميّة المختلفة، وانخفاض مستوى الأداء الأكاديميّ والمهنيّ. هناك عوامل تحدّد التفاؤل والتشاؤم عند الفرد لها علاقة بطبيعة كلّ مجتمع وبطبيعة عاداته وتقاليده، منها: عوامل بيولوجيّة: تشمل المحدّدات والاستعداد الوراثيّ. العوامل البيئيّة والعوامل الاجتماعيّة: التي تتمثّل بالتنشئة الاجتماعيّة من لغة وعادات وقِيم واتجاهات سائدة في المجتمع، ومستوى التديّن، إذ إنّ المتديّنين يميلون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلًا من غير المتديّنين، والتنشئة الأسريّة، فالأسرة التي يسودها السلام والاستقرار تعكس جوًّا يسوده الحُبّ والتفاؤل، بينما الأسرة التي يسودها جوٌّ من التوتّر وعدم الاستقرار والمشاحنات والخلافات والتفكّك، قد ينعكس سلبًا على شخصيّة الطفل ونظرته إلى الحياة التي قد تتّسم بالتشاؤم. هناك خطوات يجب اتباعها لزرع التفاؤل في الحياة، منها تكرار عبارات التفاؤل والقدرة على الإنجاز والابتعاد عن ترديد عبارات الكسل والتشاؤم، والاستفادة من التجارب والعودة إلى النجاح السابق عند مراودة التشاؤم، وعدم التذمّر من الظروف المحيطة بالفرد، بل محاولة استثمارها وتسجيل النجاح في سجّل خاصّ والعودة إليه بين مدّة وأخرى، بخاصّة عند الإحساس بالإحباط أو الفتور، والابتعاد عن رثاء النفس، وعدم الوقوف أمام مشكلة واحدة وجعلها محور الحياة، بل المضي قدمًا إلى الأمام وترك الماضي بدون الالتفات إليه. وأخيرًا على مَن يريد أن يزرع التفاؤل في حياته أن يبتعد عن الكلمات والعبارات السلبيّة التي تزرع التشاؤم في القلب، وعلينا أن نعمل جميعًا على غرس روح التفاؤل في أبنائنا والعمل على التحلّي بالتفاؤل، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو في مؤسّسات المجتمع عن طريق الاستعاذة بالله (سبحانه وتعالى)، والتوكّل عليه وحسن الظنّ به، والإيمان بالقضاء والقدر، والسعي والعمل، ويكفينا قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين قال: "تفاءلوا بالخير تجدوه".(1) ............................................. (1) بحار الأنوار: ج19، ص80.