رياض الزهراء العدد 173 واحة البراءة
الذِّكرُ
يُحبّ عليّ أباه كثيرًا، فهو يرافقه على الدوام, ويراقب تحرّكاته, ويقلّد خطواته, وطريقته في الكلام, يُعجب بما يُحبّ ويكره ما لا يطيق. يصطحب الأب ابنه إلى جلسات الرفاق, والأمسيّات الشعريّة, والمكتبات, مثلما يرافقه إلى المسجد, والجلسات القرآنيّة. وقد تعلّم عليّ الكثير من هذه الجلسات وصار يكبر والأفكار الجميلة تكبر معه, وكانت حقيقة الله تعالى أجملها وهي أنّه سُبحانه يحبّ الناس ويُريد لهم الخير على الدوام. يمتلك من الآن ذكاءً روحيًّا مميّزًا, فقد حفظ الكثير من سور القرآن والأدعية، وتعلّم تلك الأذكار التي كان يسمعها من شفتي أبيه وهو يعدّها على سُبحته. أدرك صديق أبيه (عليّ) بأنّ لكلّ ذكر فضلًا وميزة، وأنّ خلف كلّ خرزة من خرزات السُّبحة هدية وثوابًا. يستيقظ عليّ مع أبيه لأداء صلاة الفجر, وأحبّ ما عنده بعد الصلاة أن يستعير السُّبحة التي تفوح منها رائحة أبيه, عطر المسجد المتميّز برائحة العود والعنبر والإيمان. إنّه يوم الجمعة وقد قصد عليّ مع أبيه مسجد الحيّ ليؤدّيا صلاة الجمعة، وفي طريق العودة إلى البيت لمح الفتى الطيّب رفيقه ابن الجيران (حسن) وهو يجلس قرب الدار حزينًا شاحب الوجه، استأذن عليّ أباه ليلتفت لأمر أخيه المسلم وجاره, ثمّ اقترب منه ليعرف سبب هذا الحزن.. أطرق حسن برأسه وعلامات الخجل والندم بادية عليه, وأخبر عليًّا بأنّه قد أخطأ في حقّ أمّه مرارًا وتكرارًا، وأنّه في كلّ مرّةٍ يؤلمه قلبه ويخسر الكثير، حيث يُهزم مرّةً في لعبة كرة القدم, وأخرى يفقد لعبته المفضّلة, وأحيانًا يخطئ في إجابته عن أسئلة الامتحان, لذا كان حَسن شديد الحزن.. قال له عليّ: "ادعُ الله تعالى أن يغفر لكَ وإذا أردتَ اطلبْ منه أن يزيل هذا الحزن من قلبكَ". سأل حسن صديقَه: وكيف يكون لي ذلك وأنا أتوب ثمّ أعود إلى خطئي ثانيةً؟! قال عليّ: إنّ الله تعالى مقلّب القلوب، يبدّلها كيف يشاء إذا دعوناه بصدق يقلب حزننا إلى فرح. وما لبث أن دعا عليًّا حسنًا إلى الذهاب إلى المسجد وهناك صلّى معه, وأعطاه سرّ الذكر, وشجّعه على الاستغفار. ثمّ عاد ليطمئن صديقه بأنّ الله (سبحانه وتعالى) يغفر الذنوب ويعفو عن السّيئات ويحبّ التوّابين.. وهكذا ساعد عليّ رفيقه حسنًا وأهداه سُبّحة يستغفر الله تعالى بعدد حبّاتها بعد كلّ فريضة وعلّمه بعض الأدعية وتلاوة القرآن. داوم حسن على الصلاة في وقتها وتلاوة الأذكار وقد اعتادت شفتاه الاستغفار ليلًا ونهارًا. تبدّل حال حسن واطمئنّ قلبه, لا سيّما بعد أن تفوّق في دراسته وجمع الكثير من ميداليات الفوز في المباريات, وقد رضيت أمّه عنه بعد أن رضي الله عنه. حقًّا في كلّ ذكر سرّ, وسرّ التوّابين الاستغفار.