صِفّينُ لوحةٌ بمدادٍ ذَهبٍ
لا تزل تلك الذكرى حتّى اللحظة ذاكرةً حبلى بذلك الكمّ من الأحداث، جور وهيمنة الجاهليّة على عقول لم تعرف الله حقًا، ولم تزدهم كلّ رسائل الحقيقة إلّا تعنّتًا وطغيانًا، فقد ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): "ما عرفكَ يا عليّ حقّ معرفتكَ إلّا الله وأنا".(١) ولمثل هذه المكرمة الربّانية ما ازدادوا إلّا بغضًا، وحسدًا وحقدًا، يتمنّون لو تتقطّع أوصالهم ولا يروا أو يسمعوا منقبةً عن عليّ )عليه السلام)، وقد ملأ الدنيا فضائل وخصالًا، فها هي صفّين تترجم المشاعر وترسم لوحة الظفر بأعلى دقّة من الإيمان والتقى، صَفّان التقيا، الحقّ والفضيلة ضدّ الباطل والرذيلة، بعد انتهاء كلّ الحلول مع مَن راموا عَرَض هذه الحياة الدنيا، مثل ما فعل من قبلهم أصحاب الجمل، واتبعوا هوى أنفسهم فخسروا الخسران المبين. ثمّ القاسطون الذين مالوا كلّ الميل عن سُنن الحقّ واتخذوا الشيطان وليًا، وحصول خدعة رفع المصاحف على أسنّة الرماح وفتنة التحكيم، ثمّ منع الماء والمطالبة بدم غاصب الخلافة المقتول، حُجج واهية اتخذها معاوية وزمرته، خداع ومكر وضلال، ولكنّه استحكم في عقول الجهلة، فانحرفوا عن جادّة الصواب، وكيف لا وقد استأنسوا بلقمة الحرام على مائدة معاوية واستعبدهم بالدينار والدرهم والمناصب، لا يتناهون عن منكر أبدًا، ولم يدعوا موبقةً إلّا ارتكبوها أسوة بسيّدهم، إذ سيردون وشيكًا مورده: (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ )(سورة الحجّ: ١٣). ....................................... (1) إرشاد القلوب: ص٢٠٩.