مَوكِبُ الإبَاءِ
مجلّل بالعفّة والوقار، محفوف بالهيبة والأنوار، طريق السباء طويل شاقّ على تلك القلوب الطاهرة، نساء عشنَ بالعزّ مكلّلات، والآن بالحبال مقيّدات، تحدو بهنّ الضغائن والإحَن من بلد إلى بلد، يريدون طمس الكرامات ومحو المكرمات وأخذ الثارات، لكنّ نور الله (عزّ وجلّ) لا يُطفأ وسبيله لا يُخفى، ويبقى الفخر والجلال قرين آل البيت (عليهم السلام)، تحيّرت الأفكار وحارت العقول في هذا الموكب المهيب، وما يحمل من سرّ عجيب لا يشبه موكب الأسارى في شيء، فهذه الرؤوس كالأقمار تشعّ بالأنوار، تتلو آيات القرآن على الرماح، هنا انبرت ابنة حيدر الكرّار (عليه السلام)، وقامع الفجّار وملجأ المؤمنين يوم النازلة؛ لترفع الحيرة وتجلو غشاوة العمى عن الأبصار، لتنير العقول ببليغ البيان عن قوة إيمان وثبات جنان، ويرتفع صوت الفضيلة المنتصرة وسط مجلس سلطان طائش متحلّل عن قيود الآداب والنظم الاجتماعيّة، قائلةً له: "أَمن العدل يا بن الطُلقاء، تخديركَ حرائركَ وإمائكَ، وسوقكَ بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبايا قد هتكتَ ستورهنّ، وأبديتَ وجوههنّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف، ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ ولا من حماتهنّ حمي؟! وكيف تُرتجى مراقبة مَن لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟! وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت مَن نظر إلينا بالشَنف والشنآن، والإحن والأضغان؟!".(1) لقد أدركت السيّدة زينب (عليها السلام) أنّ أهل الشام قوم عُميت أبصارهم وأملى عليهم بنو أميّة منهجًا بعيدًا عن تعاليم الدين، فكانوا يحتاجون إلى مَن يخرجهم من هذه البدع، فتولّت السيّدة زينب (عليها السلام) هذه المهمّة الصعبة وتمكّنت بتسديد من الله تعالى أن تؤدّي هذا الدور العظيم، حتّى كادت أن تجعل الشام تنقلب على يزيد - لعنه الله -، إنّها ابنة الزهراء (عليها السلام) التي قد تخطّت عهود التفجّع، واجتازت عقبة الأحزان، فلم يجد الضعف إلى عزيمتها سبيلًا. .............................. (1) وفيات الأئمة: ص٤٥٧.