رياض الزهراء العدد 83 بحوث إسلامية
كَيفِيَّةُ الانْتِظَار
في البَدء لابدّ لنا من أن نبيّن حقيقة الانتظار، فنقول كما قال السيد محمد تقي الإصفهاني في الانتظار: (وهو كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره, وضدّه اليأس, فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ آكد, ألا ترى أنّه إذا كان لك مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيؤك لقدومه كلما قرب حينه، بل ربما تبدّل رقادك بالسهاد لشدة الانتظار، وكما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهة، كذلك تتفاوت مراتبه من حيث حبك لمن تنتظره، فكلما اشتدّ الحبّ ازداد التهيّؤ للحبيب، وأوجع فراقه، بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلّق بحفظ نفسه، ولا يشعر بما يصيبه من الآلام الموجعة والشدائد المفظعة).(1) إذن الانتظار يتضمن حالة قلبية توجدها الأصول العقائدية الثابتة بشأن حتمية ظهور المهدي الموعود وتحقق أهداف الأنبياء ورسالاتهم وآمال البشرية وطموحاتهم على يديه (عليه السلام) وهذه الحالة تؤدي إلى انبعاث حركة عملية تتمحور حول التهيؤ والاستعداد للظهور المنتظر. وانتظار الفرج انتظاراً بنّاءً باعث على التحرك والالتزام الرسالي، وهو الذي يوصف بأنه عبادة، بل من أفضل العبادات. وهذا ما تؤكده الأحاديث الشريفة المتواترة على عظمته وعظمة آثاره.. فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة للمؤمن، كما هو المروي عن الإمام علي (عليه السلام): “أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله”.(2) وعن الإمام علي (عليه السلام): “انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإن أحب الأعمال إلى الله (عز وجل) انتظار الفرج”.(3) ووصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في بعض الكتب بقوله: “أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله (عز وجل)”.(4) ومدح الإمام الصادق (عليه السلام) الشيعة المنتظرين بقوله: “يا أبا بصير، طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.(5) ولذا فالذي يريد أن يفوز بثواب المنتظرين المخلصين، فعليه بالورع والاجتهاد، وتهذيب الأخلاق، وكسب الفضائل والمعارف والكمالات، بل يظهر من بعض الأحاديث - كما ذكر ذلك الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني -: (إنه لا يعدّ من أصحابه إلّا إذا كان عاملاً بالورع ومحاسن الأخلاق). فيجب على المنتظِر – بالدرجة الأولى – ملازمة الطاعات والاجتناب عن السيئات، بل إن الانتظار لا يكون صادقاً إلّا إذا توفرت فيه عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية، ونفسية، وسلوكية، ولولاها لا يبقى للانتظار أي معنى إيماني صحيح. أمّا ما يتعلق بتكاليف العباد بالنسبة إليه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فنشير إلى بعض هذه الأمور بإيجاز: 1. تحصيل معرفة صفاته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وآدابه وخصائص جنابه والمحتومات من علامات ظهوره. 2. رعاية الأدب بالنسبة إلى ذكره بأن لا يذكره المؤمن إلا بألقابه الشريفة المباركة، مثل: الحجة، والقائم، والمهدي، وصاحب الأمر، وصاحب الزمان، وغيرها. 3. محبته بالخصوص وتحبيبه إلى الناس، وانتظار فرجه وظهوره، وإظهار الشوق إلى لقائه، وذكر فضائله ومناقبه وما يتعلق به، وإقامة تلك المجالس ونشر فضائله وبذل المال في ذلك؛ لأنها ترويج لدين الله وتعظيم شعائره، وإنشاء الشعر وإنشاده في مدحه، والبكاء والإبكاء والتباكي على فراقه، والتسليم وترك الاستعجال، والتصدّق عنه بنيابته، وبقصد سلامته، والحج بنيابته وبعث النائب ليحج عنه، وطواف بيت الله الحرام وبعث النائب ليطوف عنه، وزيارة مشاهد الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) نيابة عنه، وبعث النائب ليزور عنه، والسعي في خدمته وتجديد البيعة له بعد كلّ فريضة من الفرائض اليومية أو في كلّ يوم جمعة، ويستحب تجديدها بعد كلّ فريضة بما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام)(6)، والمواظبة على قراءة دعاء العهد في كلّ صباح. 4. صلة الصالحين من شيعته ومواليه بالمال، وإدخال السرور على المؤمنين، فإنه يوجب سروره. 5. زيارته بالتوجه إليه والتسليم عليه والصلاة عليه والتوسل والاستشفاع به إلى الله (عز وجل) والاستغاثة به وعرض الحاجة عليه. 6. دعوة الناس إليه ودلالتهم عليه ومراقبة حقوقه والمواظبة على أدائها، وتهذيب النفس من الصفات الخبيثة وتحليتها بالأخلاق الحميدة وتعظيم مَن يتقرب وينتسب إليه بقرابة جسمانية أو روحانية، كالسادات والعلماء والمؤمنين، وتعظيم مواقفه ومشاهده كمسجد السهلة، والمسجد الأعظم بالكوفة وغيرهما. 7. ترك التوقيت، وتكذيب الموقتين وتكذيب من ادّعى النيابة الخاصة والوكالة في زمان الغيبة الكبرى، وطلب الفوز بلقائه والدعاء لذلك..، والاقتداء به في الأعمال والأخلاق وزيارة قبر سيد الشهداء (عليه السلام)؛ لأنها صلة صاحب الزمان وهكذا زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) وسائر الأئمة (عليهم السلام). 8. أداء حقوق الإخوان وغير ذلك. جعلنا الله وإياكم من المنتظرين المخلصين. .............................. (1) مكيال المكارم: المجلد الثاني: ص176. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص179. (3) ميزان الحكمة: ج1، ص179. (4) ميزان الحكمة: ج1، ص179. (5) ميزان الحكمة: ج11، ص404. (6) مكيال المكارم: المجلد الثاني، ص8. ومفاتيح الجنان: ص602.