الغَيْبَةُ لِمَاذَا؟
من الثابت في عقيدة الإماميّة أنّ أفعال الله تعالى مُعلّلةٌ بغايات؛ لأنّه حكيمٌ، وعليه، فلا بُدّ للغيبةِ من علّةٍ وغاية، رُوي عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ أنّه قال: سمعتُ الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ لصاحبِ هذا الأمر غيبة لا بُدّ منها، يرتاب فيها كُلُّ مبطل، فقلتُ له: ولمَ جُعلتُ فداكَ؟ قال: لأمرٍ لم يُؤذن لنا في كشفه لكم"(1(، فعلّة الغيبة مجهولة بالنسبةِ إلينا، غير أنّ ذلك لا يعني انعدام المصلحة فيها، فها نحن نصلّي صلاة الصبح كُلَّ يومٍ ولا نعلم العلّة من جعلها ركعتين لا ثلاثًا أو أربعًا مثلًا، وكذا في سائر الصلوات، بل في سائر العبادات، فهل ذلك يعني أن لا مصلحةَ فيها، أو يُسوِّغ لنا عدم الامتثال لأحكامها؟! وعلى الرغم من خفاء العلّة فإنّ الروايات الشريفة أخبرتنا ببعض الحِكم من غيبته (عجّل الله تعالى فرجه)، وأهمّها: ـ حفظه من القتل، فقد رُوي عن زرارة أنّه قال: "سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قال: قلتُ: ولِمَ؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه ـ"(2(. والخوف لا لجبنٍ ـ جلّ مقامه عن ذلك - بل هو خوفٌ على الدين الحقّ ليس إلّا؛ لأنّه هو الحافظ له. ـ لجريان سُنن الأنبياء (عليهم السلام) فيه في غيباتهم، فعن حنان بن سدير عن أبيه عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها، فقلتُ له: يا بن رسول الله ولِمَ ذلك؟ قال: لأنّ الله (عزّ وجلّ) أبى إلّا أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم"(3(. ـ لكي تخرجَ ودائع الله تعالى، أي ليخرج المؤمنون من أصلاب الكافرين، فقد رُوي عن محمّد بن أبي عمير عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "قلتُ له ما بال أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقاتل فلانًا وفلانًا وفلانًا؟ قال: لآيةٍ في كتاب الله (عزّ وجلّ): (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح: 25)، قال: قلتُ: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنين في أصلاب قومٍ كافرين، وكذلك القائم (عليه السلام) لن يظهر أبدًا حتّى تخرج ودائع الله تعالى، فإذا خرجت ظهر على مَن ظهر من أعداء الله فقتلهم"(4(. ـ لظلم الناس الذي يستوجب عقوبتهم؛ فقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "واعلموا أنَّ الأرضَ لا تخلو من حُجّةٍ لله، ولكنّ الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم"(5)، مثلما يؤدّي إلى تأخُّر تحقُّقِ شرطٍ من شرائط الظهور، وهو العدد المطلوب من الأنصار، لذا فعلى كلّ منّا أن يسعى إلى تعجيل الظهور بتركه الذنوب. ـ لتمحيص المؤمنين: رُوي عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "لا بُدّ للناس من أن يمُحَّصوا ويُميّزوا ويُغربَلوا، وسيخرجُ من الغربال خلقٌ كثير"(6(. ـ لإظهار عجز الناس عن تحقيق الإصلاح الكامل سوى أهل البيت (عليهم السلام)؛ فقد رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "دَولَتُنا آخِرُ الدُّوَلِ، ولَم يَبقَ أهلُ بَيتٍ لَهُم دَولَةٌ إلّا مَلَكوا قَبلَنا، لِئَلّا يَقولوا إذا رَأَوا سيرَتَنا: إذا مَلَكنا سِرنا مِثلَ سِيرَةِ هؤُلاءِ! وهُوَ قَولُ اللهِ (عَزَّو جَلَّ): "وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ"(7(. ............................................................ (1) كمال الدين: ص418، باب45، ح11. (2) الغيبة للنعمانيّ: ص182، باب10،ح20. (3) المصدر السابق: ص480، باب 44،ح6. (4) علل الشرائع: ج1، ص١٤٧. (5) الغيبة للنعمانيّ: ص144، باب10،ح2. (6) بحار الأنوار: ج٥٢، ص٣٤٨. (7) الغيبة للطوسيّ: ص472.