القِيمُ والمَحاوِرُ التَّربوِيَّةُ في سُورةِ النُّورِ

آمال شاكر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 236

إذا كان الحجر أساس البناء، فالأسرة أساس المجتمع، فصلاح المجتمع بصلاح الأسرة، ولمّا كان الإنسان مدنيًّا متآلفًا في طبعه مع أبناء جنسه احتاج إلى تكوين علاقات اجتماعيّة، ومن أجل حفظ الحدود الشرعيّة في التعامل، وعدم انهيار المجتمع وضع القرآن الكريم منظومة من الآداب التي رسمتها الشريعة الإسلاميّة، والتي تضمن بناء حياة سالمة تسودها المحبّة، فالقرآن كتاب حياة لم يترك مسألة إلّا وعالجها، ومن السور التي تضمّنت توجيهات ربانيّة يتقوّم بها سلوك المجتمع سورة النور، إذ اشتملت على آداب لصيانة المجتمع من المنزلقات الأخلاقيّة، ومن تلك السلوكيّات أدب الاستئذان في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور: ٢٧). وكان الرسول (صلّى الله علیه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) القدوة في ذلك، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاريّ بباب البستان، وكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاريّ أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلما تأبّى جاء الأنصاري إلى رسول الله فشكا إليه، وخبّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله وخبّره بقول الأنصاريّ وما شكا، وقال: إن أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلمّا أبی ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع، فقال: لكَ بها عذق يُمدّ لكَ في الجنّة، فأبى أن يقبل، فقال عليه السلام للأنصاريّ: اذهب فاقلعها، وارمِ بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار"(1). وبما أنّ النظر مدخل وبوّابة إلى وساوس الشيطان وأهواء النفس، وكلّ المفاسد تبدأ من النظر، حثّ الله تعالى على غضّ البصر، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ..) (النور: 30) فما تراه العين ينطبع في القلب، فعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "العين بريد القلب"(٢). ودعت السورة النساء إلى عدم التبرّج وإظهار الزينة للأجنبيّ، قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...) (النور: 31)، لما يترتّب عليه من مفسدة وانهيار للمجتمع، فهو مقدّمة للوقوع في الرذيلة والمعاصي، وللحفاظ على المجتمع من الوقوع في دائرة الخطر، ولأجل استمرار الحياة، وحتّى لا تنزع النفس إلى الفساد شرع الله تعالى الزواج: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) (النور: ٣٢)، فهو بمنزلة البناء الذي يحمي الفرد، إذ رُوي عن رسول الله (صلّى الله عليه و آله) أنّه قال: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله من التزويج")٣.( ودعت السورة إلى عدم الاشتراك في نشر الفواحش والإشاعات في المجتمع: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور: 19)؛ لأنّها تؤدّي إلى فساد المجتمع، والإسلام دعا إلى ستر المسلم. وتطرّقت إلى ذكر أهميّة المساجد، فهي لسان ومنبر يصدح بالأخلاق والخير والسلام في المجتمع؛ وعليه ينبغي علينا الالتزام بهذه الحدود حتّى لا ينهار المجتمع، ويكون الفرد لقمة سائغة في فم الفساد. ........................................ (1) فروع الكافي: ج1، ص413-414. (2) ميزان الحكمة: ج٤، ص٣٢٨٨. (3) ميزان الحكمة: ج2، ص1178.