أَوَّلُ مَكْتَبِيّ فِي العَالَم

بشرى عبد الجبار
عدد المشاهدات : 178

منذ زمن غائر في القدم وحين كان الناس يعيشون في المغارات والكهوف انطلقت الحضارة من وادي الرافدين, وعدّت أقدم حضارة في تاريخ البشرية. فكانت منطلقاً لباقي الحضارات. ولما كان العراقيون أول من ابتكر الكتابة فهم أصحاب أول مدرسة عرفها التاريخ, وهم أصحاب أول مكتبة علمية منظمة بنيت في التأريخ، كان العراقيون القدامى يطلقون على المكان الذي تحفظ فيه الوثائق اسم (دار السجلّات والوثائق). إن أول مكان أنشئت فيه المكتبات كان في المعابد, إذ خصّصت غرفة لغرض حفظ الوثائق والرقم الطينية. بعدها أنشئت في القصور التي بناها ملوك بلاد الرافدين, حيث أفردت غرفة خاصة ألحقت بالقصر لغرض حفظ السجلات والوثائق, بعدها تطورت المكتبات وأصبحت منظمة. لقد اكتُشف خلال التنقيبات الأثرية في العراق أقدم المكتبات, فمدينتنا الوركاء ونفر اللتان كانتا جنوب العراق تعدان من أقدم المدن التي تم اكتشاف الكتابة والمكتبات فيها أما في الوسط فكانت مدينة سبار قرب اليوسفية ومدينة عكركوف غرب بغداد وتل حرمل وسط بغداد. وأما في شماله فكانت مكتبة الملك (آشور) المركز الديني والسياسي للدولة الآشورية التي تعد المكان الأمثل لإنشاء مثل هذه المكتبات. إن مكتبة الملك آشور بانيبال التي أنشئت في (669-627ق.م) كانت أكثر المكتبات المعروفة في العالم آنذاك تنظيماً ونضجاً. فقد أنشأ هذا الملك غرفة خاصة لغرض عمل مكتبة فيها. لقد وجد عن طريق التنقيبات الأثرية أن في هذه المكتبة رفوفاً موازية للجدران لوضع الرُقم الطينية فيها, ولمنع وصول الرطوبة إلى هذه الرقم فرشت الرفوف بالحصير أو كانت تطلى بالقير, وبعضها كانت توضع في سلال مصنوعة من القصب وضعت عليها علامات تعريفية توضح محتوياتها. إذ نقل هذا الملك جميع النصوص الكتابية التي كانت محفوظة في عصر جده (سنحاريب) إلى مكتبة قصره, وقام أيضاً بإرسال مبعوثين معهم نساخ (كتاب) ذو معرفة باللغات السائدة في ذلك الوقت لغرض جمع كتب الأقدمين واستنساخها وكذلك جمعه لآدابهم وثقافتهم فضلاً عن جمعه كلّ الكتب والمعاجم لغرض إثراء مكتبته, وقد حوت أيضاً هذه المكتبة على سجلات تنظم عملية الإعارة وكيفية إرجاع الكتب والغرامات المفروضة على تأخيرها, وحوت أيضاً على (250) ألف رقم طيني تحتوي على نصوص كتابية حفظت لنا تراث بلاد الرافدين إلى اليوم؛ لذا يستحق هذا الملك أن نطلق عليه لقب أول مكتبي في العالم؛ لعظمة ما قام به من إنجازات أغنت العالم. وبقيت مكتبات آشور با نيبال منطلق البذرة الأولى لباقي المكتبات في العالم.