(وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله)

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 256

ناهد: أستاذة، هل من وصفات علاجيّة ذُكِرت في القرآن الكريم عن الطمأنينة؟ فاطمة: من أوضح الآيات دلالة على الطمأنينة والتي جاءت لتضع النقاط على الحروف وتختصر الطريق على الباحثين عن واحدة من المسائل المهمّة التي شغلت بال الإنسان هي هذه الآية الشريفة: (الذِّينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28)، فهذه الآية تضع بين أيدينا وصفة لعلاج ناجع لواقع البشريّة الذي يئنّ من القلق والاضطراب؛ لتزوّدهم بجرعات من الطمأنينة والسكينة الإلهيّة، فخالق الإنسان أعرف بدائه ودوائه، بضعفه وقوّته، براحته وعنائه، وهو طبيب القلوب: "يا طَبيبَ القُلُوبِ...، يا طبيب مَن لا طبيب له...."(1)، وهو سبحانه دلّنا على هذه الوصفة عن طريق كتابه الكريم: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وما على الإنسان إلّا أن يعرف هذه الوصفة بحيثيّاتها وشروطها ويجرّبها كذلك. ناهد: أستاذة من أين ينشأ القلق؟ وما علاجه؟ فاطمة: يقلق الإنسان ويضطرب حين يفكّر بالمستقبل وماذا سيجري عليه، مثلًا يفكّر هل سيحصل على وظيفة مستقبلًا أم لا؟ وإذا حصل عليها، فسيفكّر هل سيستطيع أن يبني منزلًا ويستقرّ فيه أم لا؟ وثالثًا، لو زالت منه بعض النعم فماذا سيفعل؟ وإذا مرض فكيف سيتصرّف ويعيل عائلته؟ وهكذا، إذا استرسل في مثل هذه الأفكار، وفتح هذا الباب المتعلّق بالمستقبل المجهول فسيجعله يعيش بلا استقرار وبلا اطمئنان، وسيكون على وجل وخوف. هنا فليتذكّر الله الذي رعاه جنينًا وأطعمه رضيعًا؛ وربّاه طفلًا صغيرًا واعتنى به كبيرًا: "اللّهمّ ربّيتني في نعمكَ وإحسانكَ صغيرًا، ونوّهتَ باسمي كبيرًا"(2)، هذه الرعاية مستمرّة، والعناية متواصلة، فإذا تذكّر هذه العناية واللطف وهذا الحنان، تبدّدت تلك المخاوف. مثال آخر، الإنسان معرّض للخطأ في حياته، وبعض الأخطاء جرت في الماضي، وقد تأسر هذا الإنسان وتقلقه، فيضطرب ويتألّم وتتعب نفسه، فالوساوس المتتالية والأفكار والخواطر والأوهام تنهش قلبه وتنهكه، فيجلد ذاته، وهذا غير صحيح تمامًا ولا يحلّ مشكلة. ناهد: ما الحلّ لمثل هذه الخواطر، فهي تكاد تأسرني؟ فاطمة: ما يحلّ المشكلة هو ذكر الله تعالى، فالله غفّار الذنوب، ستّار العيوب، قابل التوب، وهو حبيب التائبين، فالذكر يريح ويزرع الثقة والأمل، ويحرّك الإنسان نحو التوبة وطيّ صفحة الماضي، إذن ذكر الله يبعث الطمأنينة بعد القلق، والهدوء بعد الاضطراب. مثال ثالث، منشأ القلق الشعور بتفاهة الحياة واللاهدفيّة فيها، يعمل الفرد ويشتغل، ثمّ يأكل وينام، وهكذا يتكرّر المشهد في اليوم التالي، وفي كلّ يوم إلى أن يموت، فهنا يشعر بالملل والتعاسة، فيقلق ويضطرب لفقدان هدفه في الحياة. هنا ليتدبّر بأنّ الله لم يخلقه عبثًا وإنّما لحكمة، وأنّ هناك هدفًا كبيرًا لخلق الإنسان، وهو أن يتكامل معنويًا في الحياة، ويعيش في ظلّ العبوديّة والطاعة لله سبحانه. يتبع... ............................ (1) مفاتيح الجنان: ص22. (2) بحار الأنوار: ج95، ص83.