بِنورِهِ اهتَدينا
وجوه علاها البِشر، وعيون ملأها الأمل، جلست الثلّة الطيّبة بعد الانتهاء من الاحتفال بيوم المولد النبويّ الشريف مع زينة المجلس، تلكم الزهور اليانعة التي سُقيت من ماء مودّة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام). بادرت أمّ عليّ قائلةً: بناتي الحبيبات، أشكركنّ جميعًا على هذه المشاركة الفعّالة. أردفت أمّ زهراء: أفكاركنّ أضافت إلى الحفل نكهةً جديدة. وأثنت عليها أمّ حسين: يبدو أنّنا سنحتاج إلى جهودكنّ في المرّات القادمة. لاحظت أمّ عليّ انتشار اللون الأحمر على تلك الوجوه البريئة اللطيفة حياءً، فكانت بداية الحديث: بما أنّنا لا نزال في رحاب المولد النبويّ الشريف، فلا بأس بأن نعرّج على قبسة من نوره (صلّى الله عليه وآله). هتف الجميع: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.. أمّ عليّ: لقد كان القمّة في كلّ الفضائل والسجايا الشريفة السامية، منزّهًا عن كلّ عيب، مبرّأً من كلّ إثم، ورأس تلك الأخلاق الفاضلة الحياء، مثلما أنّه (صلّى الله عليه وآله) حثّنا على الاقتداء به، ونبّهنا على أهميّة هذه السجيّة بقوله: "الحياء والإيمان في قرن واحد، فإذا سُلِب أحدهما أتبعه الآخر"(1). زهراء: أرجو توضيح ذلك، فكيف يكون الحياء والإيمان قرينينِ؟ أمّ حسين: بل أكثر من ذلك، فعنه (صلّى الله عليه وآله)، في حديث آخر: "الحياء هو الدين كلّه"(2)؛ لأنّ للحياء ثمرات لا يحصدها إلّا ذو الحياء. أمّ زهراء: الحياء يمنع عن فعل القبيح، سواء كان قبيحًا من الناحية الشرعيّة أو الاجتماعيّة. أمّ جعفر: فإذا امتنع عن تلك القبائح فسينال رضا الله ويحوز على احترام الناس، وهذا ما يسعى إليه كلّ إنسان. أمّ عليّ: ومن ثمرات الحياء العفّة، ومثلما تعلمنَ حبيباتي أثر العفّة في صفاء النفس وسموّ الروح، فلذلك نحن نحبّ أشخاصًا قد نراهم لأول مرّة، ونشعر بالألفة والطمأنينة معهم، كأنّهم ينشرون النور والرائحة الطيّبة في كلّ مكان يتواجدون فيه. أمّ حسين: عفّة النفس عن كلّ المحرّمات، وعفّة اليد عن الأموال المشبوهة، فضلًا عن المحرّمة. أمّ جعفر: وإذا تأمّلنا حِكم النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) رأينا أنّ الحياء كأنّه رأس المكارم كلّها: "الحياء يتشعّب منه اللين والرفق والمراقبة لله في السرّ والعلن والسلامة واجتناب الشرّ والبشاشة والسماحة والظفر وحسن الثناء على المرء في الناس، فهذا ما أصاب العاقل بالحياء، فطوبى لمَن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته"(3). آمنة: يا الله، ما أعظم هذه الحكمة! أمّ زهراء: والحياء في المرأة له خصوصيّة؛ لأنّه يجلّلها بثوب الوقار، ويضفي عليها وشاحًا من المحبّة والاحترام. أمّ حسين: لذلك نرى الأسلوب القرآنيّ يمتدح ابنة شعيب (عليه السلام): (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) (القصص: 25). أمّ جعفر: ما يجب التنويه به أنّ الحياء لا يمنع من الدفاع عن الحقوق المشروعة بثقة وبأسلوب رصين. أمّ عليّ: وما ينبغي الإشارة إليه بوصفنا موالين ومحبّين للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، النظر باهتمام إلى قول الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّ أعمال العباد تُعرض على نبيّكم كلّ عشيّة خميس، فليستحِ أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح"(4)، فأنّ القبيح يسبّب الحزن والألم له، ونحن بالتأكيد لا نريد ذلك. زهراء: لم أكن أعرف أنّ للحياء مثل هذه الأهميّة. زينب: ربّما كنّا في غفلة عن هذه الآثار العظيمة للحياء، ولكنّا نشأنا هكذا، الحياء سمة لنا وهذا من نِعم الله وتربيتكنّ أيّتها الفاضلات الطيّبات. أمّ زهراء: الحمد لله على نعمه وفضله علينا، فأنتنّ بنات صالحات. الجميع: الحمد والشكر لله. .................................................................. (1) بحار الأنوار: ج68، ص335. (2) ميزان الحكمة: ج2، ص368. (3) تحف العقول: ص 18. (4) وسائل الشيعة: ج16، ص 107.