الذِّكرُ الدّائِمُ

عهود فاهم العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 236

قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) (طه: 115)، لعلّ الإنسان سمّي بهذا الاسم لأنّه نسي ما عُهد إليه، مثلما ذكر ابن منظور في لسان العرب، أي الإنسان من النسيان والنسيان من الغفلة، ولذلك نقرأ في ليالي الجُمع في دعاء كميل: "واجعل لساني بذكركَ لهجًا، وقلبي بحبّكَ متيّمًا"، أي في كلّ أوقاتي وحالاتي أن يتردّد ذكره على لساني حتّى لا أنسى هذا الخالق العظيم، العطوف الرحيم، وقد يمرّ الإنسان ببعض الحالات تجعله يلجأ إلى ذكر الله سبحانه بكلّ لهفة وإيمان، ومن هذه الأمور هي المصيبة أو البلاء، فأنّ الإنسان بمجرّد أن يمرّ بموقف صعب أو مشكلة فأنّه تلقائيًّا يتوجّه إلى الباري (عزّ وجلّ)، وبكلّ جوارحه يقبل على ربّه؛ لينقذه ممّا هو فيه من الخوف والمصيبة، وقد ذكر سبحانه هذه الحالة في قوله تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت: 65)، فإذن المصيبة تجعل الإنسان في ذكر دائم لله سبحانه، والتضرّع إلى أهل البيت (عليهم السلام)، لكونهم أبواب الرحمة الإلهيّة، ولكن ويا للأسف الشديد بمجرّد أن تُقضى الحاجة ترى أغلب الناس يخرجون من حالة الذكر والتضرّع إلى حالة الغفلة والنسيان، ومقابل المصيبة هنالك النعمة، فهي كذلك من الأمور التي تجعل الإنسان يفزع إلى ذكر ربّه بالشكر والحمد له لما تفضّل عليه بهذه النعمة، فنرى أنّ الإنسان عندما يسمع خبرًا مفرحًا كأن يرزقه الله بولد، أو يرزقه مالًا، فهو لا شعوريًّا يحمد الله ويشكره على نعمته، والبعض يهوي إلى السجود من شدّة الفرح وعرفانًا بفضل ربّه سبحانه، والذكر في كلتا الحالتين سواء في الشدّة أو الرخاء فهو جيّد، ولكن يجب على الإنسان أن يكون دائم الذكر لله تعالى، وليس في أوقات معيّنة دون أخرى، فأنّ ذكر الله في الرخاء والأوقات العاديّة ينجي الإنسان من حالة الشدّة والمصائب العظمى، وعليه يجب أن نراعي الله سبحانه في كلّ صغيرة وكبيرة، ومصادرنا كثيرة في ذلك، ولو قرأنا كتاب (مكارم الأخلاق)، فسنجد ذكر الله في كلّ لحظة من حياتنا، بدءًا من الأكل والشرب فنبدأ بـ(بسم الله) وننهي بـ(الحمد لله)، وعند الخروج من الدار، وعند ركوب الدابّة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعلّ سيّدنا ونبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) يعلّمنا النجاة في الدنيا، والفوز في الآخرة عن طريق ما يأمرنا به من قراءة الدعاء: "أعددتُ لكلّ هول لا إله إلّا الله ولكلّ همّ وغمّ ما شاء الله، ولكلّ نعمة الحمد لله، ولكلّ رخاء الشكر لله..."(1)، وقد أكّد الله سبحانه على أنّ بالذكر نجاة الإنسان: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 35). .............................. (1) جامع أحاديث الشيعة: ج١٥، ص٤٤١.