رياض الزهراء العدد 174 لحياة أفضل
مَفاهيمُ طُمِسَت
بسبب اندماجنا وانسجامنا في عالم السرعة والتطوّر قد دُعست تحت عربته مفاهيم كثيرة تُنافر السرعة والاستعجال، ومن هذه المفاهيم التي من شأنها أن تحافظ على استقرار الحياة البشريّة، مفهوم بمثابة الرأس من الجسد، مثلما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "وعليكم بالصبر، فإنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه"(1). نعم إنّه الصبر، هذه الشجرة العظيمة التي تتفرّع منها أسس الحياة، مثل الحلم، كظم الغيظ، الانتظار، ولاسيّما انتظار الفرج وغيرها، وبسبب انشغالنا وانصاتنا لفوضى الحياة وضوضائها قلّ استماعنا لصدى القرآن الذي يصدح إلى يوم القيامة بـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 153)، ومن أضرار الاستخفاف بمفهوم الصبر ظهور أشواك الأمراض النفسيّة وآفاتها في حدائق قلوبنا، وبخاصّة مرض الكآبة، حيث تشير الدراسات إلى أنّ من المتوقّع في سنة (٢٠٣٠م)، أن تطغى الكآبة على شبابنا، والسبب مثلما أسلفنا، لهذا تمسّكنا بمفتاح الصبر سيقودنا إلى قصر الطمأنينة والاستقرار. نعم، الحياة لم تقم على لون واحد، لهذا يقال للوحة ملوّنة إنّها تنبض بالحياة، وأحد أكبر مفاهيمها الصبر، مثلما يقول مولى الموحّدين (عليه السلام): "الصبر صبران: صبر على ما تكره، وصبر عمّا تحبّ"(2)، فالحياة الزوجيّة، تربية الأطفال، العمل، الدراسة، إنجاز مشروع معيّن وغيرها، كلّها تحتاج إلى صبرٍ يغذّيها لتستمرّ. وحينما نسمع كلمة (الإنفاق)، فسينتقل الذهن كالبرق الخاطف إلى محطّة الأموال فقط، فهل هذا صحيح؟ الحقيقة أبعد وأعمق بكثير، كيف ذلك؟ عند الرجوع إلى القرآن الصامت والناطق نجد الجواب الساطع، ففي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 254)، هنا لم يذكر الأموال، بل الإنفاق المطلق، إنفاق العلم والأخلاق، واستخدام الجاه والمكانة الاجتماعيّة لقضاء حوائج الناس، وإنفاق الوقت على أبنائنا، ومَن هم تحت رعايتنا، وغيرها من أوجه الإنفاق. ونجد مواضع الإنفاق في الكثير من جوانب الحياة، منها قول الرسول (صلّى الله عليه وآله): "الكلمة الطيّبة صدقة"(3)، وهذا ما صرّح به كلام الله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة: 263)، ومن أقواله (صلّى الله عليه وآله): "البخيل من بخل بالسلام"(4)، وغيرها من الدرر المحمّديّة والآيات الربانيّة. ومن أقوال العترة الطاهرة التي هي قواعد ثابتة ليس لها شواذّ وهي الأساس في علم النفس، قولهم (عليهم السلام): "البخل يفرّق العرض"(5)، فعلًا فأنّ مَن يبخل بأخلاقه مع أهله وأسرته كان مصيرهم الشتات، مثلما قال المصطفى (صلّى الله عليه وآله): "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(6). ...................................... (1) نهج البلاغة: ج4، ص12. (2) شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد: ج18، ص189. (3) ميزان الحكمة: ج5، ص209. (4) ميزان الحكمة: ج1، ص246. (5) المصدر السابق: ج١، ص ٢٣٢. (6) مكارم الأخلاق: ج١، ص215.