دائِرةُ الحياةِ

أحلام محمّد رضا اللواتيّ/ سلطنة عمان
عدد المشاهدات : 156

كثيرًا ما أجلس وأفكّر، تُرى ما هذه الحياة؟ نأتي من مكان مظلم عشنا فيه لتسعة أشهر أو أقلّ، لا نرى فيه أيّ ضياء، ثمّ فجأة نخرج من هذا المكان الضيّق إلى عالم كبير فسيح مملوء بالأضواء والضجيج، لا نفهم ما يُقال، ولا نستطيع أن نتكلّم أو ننقل مشاعرنا إلى الآخرين، ننتقل من يد إلى أخرى، ولا نفهم ماذا يعني ذلك، نسمع أصواتًا وضجيجًا، نحسّ بهواء يلفح وجوهنا، نفتقد الجوّ الدافئ الذي كنّا نعيش فيه. تُرى ماذا حصل؟ وأين نحن؟ وما مصيرنا في هذا العالم؟ أسئلة كثيرة تراودنا، ولكنّنا لا نستطيع الكلام، حتّى إنّنا لا نستطيع الحركة بحريّة كثيرة، هذه الوجوه التي نراها غريبة علينا، وأيضًا هذه الأصوات التي نسمعها، لكن من رحمة الله علينا ألّا نعي ما يدور من حولنا في تلك المرحلة. ثمّ ندخل في المرحلة الثانية من حياتنا وقد كبرت أجسادنا وعقولنا، ونبدأ برحلة البحث والاكتشاف، نحاول أن نفهم كلّ شيء، وهذا الفضول يدفعنا إلى التدمير والخراب أحيانًا بهدف الوصول إلى تحقيق أهدافنا. المرحلة الثالثة هي المرحلة الأصعب، مرحلة العناد والسخط والعصبيّة والاندفاع، وهذه المرحلة هي من أكثر المراحل التي نعاني منها، فنتعرّض للنقد والرفض، وتختلف آراؤنا عن آراء آبائنا، ونتعقّد ونبحث عن صدر حنون يحتوينا، فإذا وقعنا في دائرة أصدقاء السوء تحوّلت حياتنا إلى حياة عربدة وفوضى، وإذا وجدنا الصدر الحنون زاد عطاؤنا للمجتمع. جاء في وصيّة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) المفصّلة: "يا هشام عليكَ بالرفق، فإنّ الرفق يُمن، والخرق شؤم، إنّ الرفق والبرّ وحسن الخُلق يعمر الديار ويزيد في الرزق"(1)، وهذا يعني أنّ اللين والتواضع يجب أن يكونا من صفات الوالدين، وأنّ الحمق والغلظة يجب الابتعاد عنهما، لذلك وصف الله سبحانه وتعالى نبيّه بقوله: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159)، فعلينا نحن الآباء والأمّهات أن نلجأ إلى الحكمة في معالجة هذه الأمور التي إن لم نعالجها بحكمة فستكون آثارها عميقة؛ لأنّنا سوف نسهم في تدمير شبابنا. هذه المرحلة تحتاج إلى الحوار والنقاش البنّاء، ومهما واجهتنا الصعوبات فعلينا أن نأخذ الأمور بهدوء؛ لأنّ في هذه المرحلة تتبلور شخصيّة الشاب، وهذه الشخصيّة ستظهر آثارها في حياتهم الزوجيّة. ومن أجل أن نضمن مجتمعًا قائمًا على الحبّ والمودّة، علينا بالتربية الصالحة لأبنائنا منذ الصغر إلى أن يتحمّلوا مسؤوليّتهم كاملة، وهذا ربّما لاحظناه في هذه المرحلة العصيبة التي زادت من تعقيد علاقة الآباء بالأبناء. .................................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج57، ص1.