رياض الزهراء العدد 174 منكم وإليكم
نَحوَ الكَمالِ
ولادة أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، وتهلّلت لها السماوات والأرضون، شعاع من النور الإلهيّ سينقذ المستضعفين، ويأخذ بأيدي الخلق إلى الفردوس، تهلّلت وجوه الملائكة، فقد عرفت جواب سؤالها الذي طرحته عندما خلق الله آدم عليه السلام: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة: 30)، فقال الباري جلّ وعلا: (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون) )البقرة: 30)، فلم تعلم الملائكة بأنّ الله قد اختار لخليفته في الأرض هذا الموجود القابل للتكامل ببديع خلقته وعظيم صنعته، وقد تجسّدت إجابة السؤال على أرض الواقع عند ولادة أعظم خلق الله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، خاتم النبيّين وسيّد المرسلين، وأفضل البشر أجمعين صاحب النفس السمحة، الذي لم تلد النساء مثله في الخلق، حتّى قال عنه ربّ العزّة: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، وقد استطاع بهذه النفس العظيمة والأخلاق الكريمة أن يحوّل مجتمعًا كان غارقًا في الفساد والجاهليّة إلى خير أمّة أُخرجت للناس، وقد وصف الإمام عليّ (عليه السلام) التحوّل الذي أوجده النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في حياة العرب آنذاك، بقوله: "إنّ الله سبحانه بعث محمّدًا وليس أحد من العرب يقرأ كتابًا ولا يدّعي نبوّة، فساق الناس حتى بوّأهم محلّتهم، وبلّغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم، واطمأنّت صفاتهم..."(1). ولهذا فعلى المؤمن الحقّ أن يعلم بأنّه قادر بمعونة الله تعالى أن يصل إلى أقصى المراحل في تزكية النفس، مقتديًا بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنموذجًا ومعلّمًا ليقودنا نحو الكمال. ......................................... (1) بحار الأنوار: ج18، ص226.