الإمامُ العَسكريُّ (عليه السلام) ونهجُهُ الإصلاحِيُّ

صفيّة جبّار الجيزانيّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 150

أهل البيت (عليهم السلام) هم سفن النجاة والملاذ والمعاذ لكلّ الخلق، وهم سبل الهداية الذين يخرجون الناس من الظلمات إلى النور، ومن هذه السفن الإلهيّة العامرة، الإمام الهمام، سليل الطاهرين وأبو خاتم الوصيّين، الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، بأمر من العليّ الأعلى وبتعيين من رسول الرحمة، وبوصيّة من أبيه الإمام عليّ الهادي (عليه السلام) تولّى الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) قيادة الأمّة، شهد عصره ظروفًا معقّدة، وقد عاصر خلال مدّة إمامته ثلاثة من الحكّام العباسيّين الذين حاولوا بمختلف الأساليب الخبيثة التضييق عليه، مثلما فعلوا مع آبائه الأطهار، وعلى الرغم من كلّ تلك المحاولات الشيطانيّة، إلّا أنّ نور الإمامة انتشر حتّى عمّ الآفاق، كيف لا وهو الفيض الإلهيّ على البشر، ومن أهل البيت (عليهم السلام) الذين استقرّت محبّتهم في القلوب مهما حاول الأعداء والظَلمة أن يضلّلوا حول شخصيّاتهم المتألّـقة. ويمكن عدّ المرحلة التي عاشها الإمام العسكريّ (عليه السلام) من أحرج المراحل، على الرغم من قصرها، حيث شهدت أحداثًا مهمّة وخطيرة، فقد هيّأ شيعته من بعد مرحلة الحضور لمرحلة الغيبة. واجه الإمام (عليه السلام) الحكّام الظَلمة وأساليبهم التي تميّزت بالدهاء والحيلة كالتظاهر بإكرام الإمام، والمراقبة الشديدة لكلّ أحواله وسجنه، ومداهمة بيته وغيرها من الأساليب الخبيثة بكلّ دقّة وحذر. عمل (عليه السلام) على ردّ الشبهات والدفاع عن الإسلام، مثلما عمل على تنمية الحسّ الاعتقاديّ الصحيح، وإبعاد الشيعة عن مواضع الشكّ والشبهة. وقد قام الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، بالتمهيد لولادة ابنه المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف)، ثمّ غيبته، وذلك عن طريق التخطيط الدقيق لحماية ابنه (عليه السلام) وصيانته من الوقوع في أيدي الطغاة، فقد عمل على إخفاء ولادته عن أعدائه، فلم يطّلع عليه إلّا أخصّ الخواصّ، ومن ثمّ إعداد الأمّة المؤمنة لعصر الغيبة وتقبّلها لها، وهذا يحتاج إلى بذل جهد مضاعف للتخفيف من الصدمة، لذلك ركّز الإمام (عليه السلام) على الإعداد الفكريّ والذهنيّ عن طريق استعراض فكرة الغيبة على مدى التاريخ، وتشجيع الشيعة على الصبر والثبات وانتظار الفرج، وكذلك الإعداد الروحيّ والنفسيّ عن طريق الاحتجاب، وتقليل الارتباط لتعويد الشيعة على عدم الارتباط المباشر بالإمام، فلا يشكّل الوضع الجديد لهم صدمة نفسيّة. ونظرًا إلى أنّ عصر الإمام العسكريّ (عليه السلام) كان يشكّل نقطة انتقال من عصر الحضور إلى عصر الغيبة، فذلك كان يستدعي الاعتماد الكبير على نظام الوكلاء تمهيدًا لمرحلة الغيبة. وبعد هذه الرحلة المليئة بالصعاب والجهاد في سبيل الدعوة والإصلاح، وأداء الرسالة بالشكل الكامل، إمامنا الهمام يلتحق بالرفيق الأعلى بعد أن ذاق مرارة العيش مع الحكّام الظالمين، فدسّوا له السمّ وقتلوه، فقضى نحبه صابرًا محتسبًا ولم يتجاوز الثلاثين من عمره الشريف.