رياض الزهراء العدد 174 منكم وإليكم
بينَ الخَضراءِ والزَّرقاءِ
كنّا سابقًا نخشى الاجتماعات العائليّة الكبيرة، وحشد الجيران عصرًا في الطرقات والمنازل؛ لأنّهم يتداولون خصوصيّات الناس، وأخبار عامّة مع الكثير من البهارات والتحريف، في ذلك الوقت كان ذلك منطقيًّا؛ لأنّ التلفاز كان مصدر المعلومات الوحيد، وكانت المعلومات قليلة، فتلهي النفس ببعض الأحاديث غير الواقعيّة، ويحثّون خيالهم، ويمرّنون تفكيرهم، لذا كان الوضع مقبولًا. ثمّ انتقلنا إلى عصر التقنيّة انتقالًا سريعًا، وأصبحت الأجهزة في كلّ يد، والمعلومات كثيرة، وطرق التواصل أكثر، يمكنكَ أن تتحدّث مع شخص من الصين أو أمريكا يوميًا ولوقت غير محدود، وبتكلفة قليلة عن طريق تطبيق يجمع العائلة والأصدقاء وزملاء الدراسة والعمل، ومجموعات للعبادة، مجموعات تضمّ كلّ الأشخاص ما عدا الذين لا نحبّهم، ومع قدوم (كورونا) تضخّم دور الـ(واتساب)، وأخذ مساحة كبيرة، فالناس لا تخرج، بل مستقرون في المنزل، ويقومون بتداول مقاطع مضحكة، رسائل مُعاد توجيهها عشرات المرّات أو آلاف المرّات، صور مركّبة، وكمّ من المعلومات. لا يفكّر الأشخاص بنوع الأفكار التي يرسلونها، إنّهم يرسلونها حتّى بدون قراءتها في أوقات كثيرة، يعيدون توجيه أيّ شيء ليبدوا ذوي معرفة أكثر، ومساهمة فاعلة، حتّى لا تموت مجموعاتهم، والمتلقّي بدوره لا يتحقّق من المعلومات ولا يبحث، ويرسلها إلى الآخرين وكأنّها الصواب المطلق. نحن في عصر الأخبار الكاذبة، الجميع يستطيع تصوير نفسه وهو يتفلسف بشكل مقنع بدون دليل منطقيّ، الجميع يستطيع كتابة أيّ هراء! الصور يمكن تعديلها وكذلك الفيديوهات، فلماذا نثق بها؟ ولماذا نعطّل عقولنا عن التفكير والبحث عن صحّة المعلومات؟ ولماذا من الأساس نقضي الكثير من وقتنا على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وبالإمكان فعل ما هو أكثر فائدة في الواقع أو عبر الهاتف؟ فلماذا لا نقرأ كتابًا إلكترونيًّا عن الدين بدلًا من قراءة كلام ركيك، والسماح للآخرين بالتلاعب بالمشاعر الإنسانيّة؟