رياض الزهراء العدد 174 منكم وإليكم
سُبلُ تقويةِ الإرادةِ
إنّ الله سبحانه وتعالى فطر الإنسان على عشق الكمال المطلق، وجُبلت الذات الإنسانيّة على ذلك، وهذا ما يحسّ به كلّ إنسان بوجدانه، فيجد قلبه يتوجّه شطر الجميل والكامل، فلذا لا بدّ للإنسان في طريقه نحو الكمال من أن يهيّئ نفسه ويسعى إلى تقوية إرادته للوصول إلى الطريق المنشود، ألا وهو الله تعالى. وإنّ الحقيقة والواقع يؤكّدان تأكيدًا لا يقبل الشكّ والمواربة بأنّ الظفر وتحقيق الآمال والنجاح في الحياة لا يحصلان من دون إرادة صلبة، وأنّ الإرادة القويّة تحتاج إلى مستند ثابت ومتين، ألا وهو الإيمان، ولكن أحيانًا قد يتوافر الإيمان عند شخص بأمر ما، ولكنّه لا يملك الإرادة لتحقيقه، ولم يعمل بجدّ وفاعليّة، فإنّه سيفشل حتمًا ولن يستطيع أن يصل إلى هدفه البتّة، لذا فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النجم: 39). فإذا رغب الإنسان في أن تكون له إرادة حديديّة وصلبة، فكيف يربّيها في نفسه؟ ومن هنا نعرض بعضًا من سبل تقوية الإرادة: المنشأ الأول: الثقة بالنفس: وليس المقصود بذلك الغرور، فالغرور أن لا يبالي الإنسان بخبرات الآخرين وتجاربهم وثقافاتهم، أمّا الثقة بالنفس فهي أن يكون الإنسان قادرًا على أن يعطي ويحقّق للمجتمع شيئًا ما، بعد تبادل الخبرات والثقافات بينه وبين أبناء المجتمع. رُوي عن الإمام الحسن (عليه السلام) أنّه قال: "رأس العقل معاشرة الناس بالجميل"(١)، فليس أعقل الناس مَن يحرز (١٠٠%) في الرياضيات أو الفيزياء، أو لديه قدرة على الاحتيال والسرقة، إنّما أعقل الناس هو مَن استفاد من خبرات الآخرين وثقافاتهم وتجاربهم. المنشأ الثاني: التربية على الحياء من الله: لا بدّ للإنسان من أن يستحي من ربّه، فكيف يستحي من أبويه، فيقول مثلًا: أنا أخجل أن أبدّد أموال أبي، فقد تعب في الحصول عليها، فإذا كان الفرد يخجل من أبيه، أفلا يخجل من المنعم (تبارك وتعالى) الذي أسبغ عليه نعمه ورعاه ودفع عنه الأخطار والمكاره منذ صغره؟ إذَا فالجدير بالإنسان أن يربّي نفسه على الحياء من خالقه؛ لكي يرى دافعًا لتقوية إرادته. المنشأ الثالث: الجرأة: الإنسان الذي لديه جرأة هو الذي يستطيع أن يقتحم موارد العمل والعطاء حتّى يكون إنسانًا عاملًا، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "إذا هبتَ أمرًا فقع فيه، فإنّ شدّة توقّيه أعظم من الوقوع فيه"(2)، ولولا الجرأة لما سمعنا عن أبطال التاريخ كأهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم الخلّص الذين طأطأ لهم التاريخ إجلالًا؛ لأنّهم كانوا يمتلكون الإرادة الحديديّة والجرأة والإقدام على التغيير. وعليه، فإنّ الإرادة الصلبة المستندة على الإيمان الثابت هي الأساس في إنجاز أيّ مسعىً وتحقيق كلّ الأهداف المنشودة، والسعادة المطلوبة، فإنّ العزم هو جوهر الإنسانيّة، ومعيار ميزة الإنسان، وإنّ اختلاف درجات الإنسان باختلاف درجات عزمه، وهو توطين النفس على ترك المعاصي وأداء الواجبات. ................................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص2054. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص832.