إشرَاقةٌ صادِقيَّةٌ
انبلج الفجر وتبسّم الصبح، وأشرقت الشمس وأسدلت ضفائرها الذهبيّة على ذلك البيت العلويّ، نهضت فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر زوجة الإمام الباقر بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام) قاصدةً أمّ زوجها فاطمة بنت الحسن السبط (عليه السلام)؛ لتخبرها بأنّ الطلق قد حان، وأنّ الحفيد المرتقب سيأتي؛ ليملأ نوره الدنيا ضياءً وبِشرًا. فأجابتها: أبشري يا بنتي ولا تخافي، إنّه سادسهم بعد باقرهم، لقد بشّر به النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قبل ولادته بأنّه صادق القول والحديث والكلام(1)، سليل النبوّة، مكمّل للعترة، محيي معالم الدين ومسمّي مذهبها، جعفريّ اللقب. لقد ولدتِ زينهم، سوف أبشّر جدّه بقدوم حفيده، إنّه مشتاق إلى رؤيته وتقبيل ناظريه. أبشر يا أبا جعفر، لقد وُلد جعفر الساعة، إنّه السابع عشر من ربيع الأول سنة (٨٣) للهجرة، يا له من مولود قد ملأ سماء مدينة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرحًا بوجه أبيض أزهر، له لمعان كأنّه السراج، أسود الشعر جعده، أشمّ الأنف، قد انحسر الشعر عن جنبيه فبدا أزهر، وعلى خدّه خال أسود، أطلّ بطلعته البهيّة، وزاد شرف البيت الهاشميّ بقدومه، واغبط قلب الباقر (عليه السلام)، فأجرى عليه مراسيم الولادة بالتكبير، وأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى باتّباعه سنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعقّ عنه، فضمّته أمّه إلى صدرها، فقال الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّه خليفتي من بعدي، وسوف يكون له شأن"(2). سار على نهج آبائه وأجداده الطاهرين، فهم المنار والمقتدى بهم، وانتشر حديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في عهده انتشارًا واسعًا ليصبح للعلم مدارس وجامعات، تشمل كلّ أنواع المعرفة من الفلك والكيمياء والفيزياء وغيرها، وتتلمذ على يديه علماء عصره ومن بعده، فهو وارث علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الصادق المصدّق. ............................................... (1) السمعانيّ في انسحابه: ج3، ص507. (2) يُنظر: موسوعة الإمام الصادق (عليه السلام).