اِتّباعٌ يَقِظٌ

مريم حسين العبودي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 358

إنّني لأثق بالمتبوع من سموّ خلق أتباعه، حيث تعجّ الدنيا اليوم بجماعات لا حصر لها، قادة من كلّ صنف ولون، زعماء، وجهاء عشائر، أصحاب فكر تنويريّ، مترئّسي حركة فكريّة أو ثقافيّة، مؤثّرين في وسائل التواصل الاجتماعيّ، كتّاب، أدباء، رسّامين، وآخرين غيرهم كثر. من بين كلّ المعايير العديدة التي تتوافر لتقييم هؤلاء، والحكم بصلاح رؤيتهم أو فسادها، كنتُ على المستوى الشخصيّ أنظر إلى أتباعهم لتأثيرهم في تقويمهم الأخلاقيّ والفكريّ، فما كانت لتقوم للإسلام قائمة لو لم يتأثر أتباع النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) بحسن أثره ورقيّ أخلاقه، مثلما أنّه لم يحصل مع بني إسرائيل على الرغم من أنّ نبيّهم كان كليم الله! ولم يحصل مع أنبياء آخرين قد بلغوا من الرفعة والقرب الإلهيّ مبلغًا عظيمًا. إنّ إنصاف التابعين لأيّ شخص أو فكر أو مؤسّسة، يكمن في طريقة تقويمهم لأنفسهم وحرصهم على عكس الصورة الأمثل عن هذا المتبوع، أو الفكرة التي يتمّ اتباعها، مثلما يحصل حين ينتمي الفرد إلى مؤسّسة ما، أو عائلة مرموقة، أو مدرسة، فهنالك دائمًا حرص على سمعة المنشأ، لا يحتمل المرء أن يُهان بذكر أصله أو عائلته، سيقبل أيّة إساءة شخصيّة ما لم تمسّ أو تلقي اللوم على أصله أو عشيرته أو ذويه، وكذا الأمر حين يُساء إلى طالب بتشويه سمعة مدرسته ومدرّسيه، وكان هو السبب في فشله ومستواه العلميّ المتدنّي، فأيّ لوم يقع على تلك المؤسّسة سيصيبه بنوع من تأنيب الضمير، وهلّم جرًّا، ويمكن تطبيق الأمر على كلّ أبعاد المجتمع، ولذا فإنّه من اليسير إثارة غضب الرجل بتقليل شأن عائلته والتسبّب بخلق فوضى عارمة عند عامّة الشعب بالشتم أو التطاول على المتبوع الذي يؤمنون بجدوى قيادته. إنّ الحفاظ على سمعة هذا المتبوع أو ذاك لا يقتضي الغضب والدفاع المستميت والدخول في جدالات لا نهائيّة؛ لإثبات صحّة وجهة نظر هذه الفئة أو دحض رأي أخرى، يكفي بأبسط الأحوال تجسيد أسبقيّة ذاك الشخص وعلوّ خُلقه عن طريق التأسّي بسيرته والامتثال لرجاحة عقله. لم يركّز الدين الإسلاميّ على النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بمعزل عن المسلمين، بل حرص بشكلٍ أساس على جعل المسلمين داعين إليه بحسن فعالهم، وشدّد (صلّى الله عليه وآله) بدوره على تعزيز مبدأ الخُلق الرفيع والتعاملات الاجتماعيّة الصحيحة عبر مبدأ أنّ كلّ مسلم هو راعٍ وله رعيّته: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته"(1)، وأنّ أيّ فعل يقوم به ستكون له آثار في الفرد ذاته وفي مَن حوله، فلا تحرق النار صاحبها فقط إذا ما نشبت واضطرمت، بل تمتدّ لتأكل كلّ ما تجده في طريقها. وقد قال (صلّى الله عليه وآله): "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل"(2)، ولينظر كلّ راعٍ إلى رعيّته وكلّ رعيّة إلى راعيها، هل ينصف أحدهما الآخر؟ وهل يحقّق عاملًا لجذب مزيد من الأتباع للسير على هذا الطريق القويم؟ وهل يُستقى من هذا النبع فيثمر وينشر خيره في المجتمع، أم يتحيّز تحيّزًا أعمى ويثير فيه روح العداء والتعصّب؟ ........................................ (1) كشف المحجّة لثمرة المهجة: ج1، ص46. (2) بحار الأنوار: ج71، ص192.