فِي وَداعِ الأملِ

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 188

ربّما الكلّ مرّ بتجربة مريرة وذاق طعم الفراق وانكسر ظهره بفقد حبيب ما، فيبقى يعيش ما تبقّى من العمر في مطاردة الذكريات التي لا تفتأ تمرّ به حتّى تعصر القلوب، وتضيق الأنفاس، وتسمح للدموع بمغازلة الخدود المجعّدة، فتموت الحياة فيه وهو ينتظر لحظة اللقاء في عالم آخر تجمعه بمَن فارقه، ولكن أرض سامرّاء لا تعانق حزنًا واحدًا، بل عانقت بيتًا اسمه الأحزان.. فهلّا أخبرتموني عن يوم مضى بلا أن يرسم ألمًا في قبّتها، أو يترك تجاعيد على أسوارها؟ أو بدون أن يُشعل حقدًا أزليًّا كلّ نيرانه فيها ليزعزع أمانها؟ والآن غابت ملامحها تحت ردم وركام أكبر من تفجير مقامها المقدّس، فاليوم عادت ذكرى استشهاد إمامها العسكريّ (عليه السلام)، وغاب المنقذ، آخر ملاذ لها، فقدت القلب الذي كان يمنحها الرحمة ليحتويه ترابها المقدّس، فقدت آخر تلك القلوب الطاهرة العامرة بالصفاء، المليئة كالجنان بالمحبّة؛ لتأخذها رياح محمّلة بالغيظ والغيرة ظنّت أنّها تحملها إلى أعماق الغياب وغياهب النسيان، لكنّها تبقى مقدّسات حاضرة في كلّ حرف من حروفهم الحبلى بالموعظة والحنين والاشتياق. ولتبقى سامرّاء أسيرة بين حزنها الأبديّ لفراق الحبيب، آخر العسكريّين (عليهما السلام)، وبين شوقها إلى ذلك الأمل الغائب الذي تؤلمه نار ذنوب العباد التي تلفح قلبه، لكنّه يصمت بغصّة الطاعة، وينتظر ذلك الفرج بالوعد الإلهيّ. جراح سامرّاء تكبر كلّ يوم وتبتلع كلّ ما مضى وما هو قادم، فلا ترى سوى الخراب.. تنادي: كيف نلتقي بالأحباب؟ فبداخلي حفرة صنعها الفراق، تمتلئ خوفًا، وتباعد بيننا المسافات، فكم من العمر مرَّ وأنا أنتظر غدًا نلتقي، فتبكي مدينة الحبيب بحجم الساعات التي شربت أرواحنا فيها الغياب، وتسكب دموعها في كؤوس العزاء، وتدفن كلّ أمل بلقاء قريب.. ويسكنها شجن يفتح جروحًا لها تسيل منه الدماء حين تتجدّد مشاهد موت ممنوع من النسيان، فقُبرت مع تلك المشاهد كلّ أفراحها، ليسدل السكون ستائر الغربة على شهقات البعد وزفرات العناء.. وتقبل نبضات سامرّاء على وجل، ترتجف على استحياء آملة في أن تأتي خيوط النور مع انبعاث فجرها، ويعمّ الكون الضياء ليعانق مساؤها شقاء يومها، ويتواريا معًا في حلم انتظار العودة.