الجُلُوسُ إِلى أَهلِ العُقُولِ
على الرغم من وجود بقايا دموع في عينيها، وأثر بكاء في وجهها اللطيف، إلّا أنّ زهراء بدت مرتاحةً تسرد لرفيقاتها ما رأته في مجلس حضرته قبل قليل: استفدت معلومات كنتُ أجهلها، أو ربّما كانت أمامي بدون أنّ ألحظها، أجواء عشتها بروحانيّة، دقائق شعرت فيها بلذّة المواساة لأهل البيت الأطهار (عليهم السلام). أمّ محمّد: أحسنتِ صنعًا، فمثلما يقول الإمام الحسين (عليه السلام): "من دلائل علامات القبول الجلوس إلى أهل العقول"(1)، والاستماع إلى المحاضرات الدينيّة هي من هذه المجالس. أمّ زهراء: إنّ من علامات الإيمان المودّة لآل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عملًا بقوله تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (الشورى: 23)، ومن طرق المودّة المواساة وحضور مجالس تأبينهم. أمّ جعفر: نعم حبيباتي هذا أحد أهداف إقامة المجالس والحضور فيها. أمّ حسين: حقًّا إنّ المجالس ماهي إلّا مدارس، ولطالما كانت القبس الذي يهتدي به مَن يريد الهداية، ولطالما كانت مصدرًا للموعظة الحسنة والتوعية. أمّ عليّ: كذلك إنّ المجالس تهيّء جوًّا من الألفة والمودّة بين أفراد المجتمع، فالحاضرون يشعرون بمشتركات تجمعهم، إضافةً إلى ما يرافق ذلك من حسن الضيافة بتقديم بعض المأكولات والمشروبات التي يُتبرّك بها. أمّ زهراء: مثلما أنّ هناك التفاتة لطيفة، وهي سمة التواضع التي غالبًا ما تسود هذه الأجواء، فالجميع يتشرّف بالخدمة وإبداء أيّ مساعدة. أمّ جواد: الهدف الأساس من إقامة المجالس هو التعريف بالنهضة الحسينيّة بما تحمل من معاني إنسانيّة وعقائديّة. أمّ جعفر: ومِن تلك المعاني رفض الظلم والاستكبار ومقاومة الفساد. أمّ محمّد: وهو أسمى الأهداف، ومن الواجبات التي لا ينبغي تركها. أمّ حسين: ما يميّز النهضة الحسينيّة أنّ الجميع فيها كانوا أبطالها، لكلّ منهم دور عظيم وفعّال. أمّ زهراء: فالإمام الحسين (عليه السلام) أعطى أروع وأسمى أنموذج، فهو الإمام والمسؤول الواعي لما يتطلبه واجبه. أمّ عليّ: روحي فداه، هو القائد الذي يدير المعركة برباطة جأش وعزيمة، وهو الأب الحنون، وهو الأخ الصادق في محبّته، وهو الإنسان بكلّ ما تحمل الإنسانيّة من محبّة وتواضع ومواساة لمَن هو أدنى، ولعلّ جلوسه عند الفتى التركيّ وتقبيله إيّاه مثلما يفعل مع ولده هي من أوضح صور التواضع والمحبّة وأجملها. أمّ حسين: ولا يمكن تجاهل دور المرأة، فهي تلك الأمّ المضحيّة بالأغلى من أجل عقيدتها وإطاعة إمامها، هي الأخت الواقفة مع أخيها الساندة له بروحها وأولادها نصرةً للدين. أمّ محمّد: وهي البنت المطيعة للأب الحاني، العارفة بفضل أبيها وعظيم حقّه عليها. أمّ جعفر: وهناك الشيخ الذي يرفع حاجبيه بعمامته، ويشدّ ظهره خوفًا من أن يفوته شرف الجهاد. أمّ حسين: حتّى الأطفال الرضّع والبنات والأولاد الصغار.. لكلّ منهم قصّة جديرة بأن تُكتب وتُخلّد. أمّ زهراء: ونجد الشاب اليانع الذي يترك ملذّات الدنيا ومغرياتها؛ ليلتحق بركب الشهداء بعزم وثبات ودونما تردّد، - أوقفت دموع زينب وزهراء وآمنة، أمّ زهراء عن إكمال كلامها -. أمّ عليّ: بناتي الغاليات، هذه هي النفحات القدسيّة لحبّ أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) التي تطهّر الروح وتجلي القلوب.. في أفراحهم وأحزانهم، هناك جوائز معدّة للمبادرين، جعلنا الله تعالى منهم. ............................................ (1) تحف العقول: ج56، ص3.