رياض الزهراء العدد 172 لحياة أفضل
العِلاقَةُ بَينَ الأَبِ وابنتِهِ.. بُحبوحَةُ حُبٍّ
عندما يعشق الأب ابنته يجعل منها ملاكًا ومقاتلًا، من صفات الملاك الحُبّ، والحنان، والأدب، ومن صفات المقاتل الشجاعة التي بها تحرس، وتحترس بها في مجتمع مترامي الأفكار. فالأمر الأساسيّ يتركّز على التربية الكريمة المتمثّلة بأسلوب التعامل بأدب وأخلاق، والثقافة الواعية. هذه الأساليب لا تكون فقط مع الأب، بل بجعلها أسلوب التعامل بين جميع أفراد العائلة؛ ليعطي هذا الأمر أرضًا خصبة وتهيئة روحيّة، ولتأتي الخطوة الثانية وهي ترجمة لعدد من النظريّات الاجتماعيّة والتربويّة، يُقال إنّ هناك نظريّة أو معلومة مفادّها: لا تحرم ابنتكَ من حنانكَ فتكون ذات شخصيّة مهزوزة، ومن جانب آخر فإنّ الإفراط في الثقة التامّة بمعنى عدم وجود الرقابة الأبويّة من الممكن أن تخلق منها فتاةً متذمّرة تبحث عن الحريّة بشكل مفرط وبدون حذر، ومن هنا لا يبعد أبدًا وقوعها في شراك عدوّها مع قلّة الناصح والمعرفة والدراية. إذًا ماذا نفعل؟ علينا أولًا: أن نرى مَن هم كانوا خير مثال لنا في تربيتهم لبناتهم؟ هم محمّد (صلى الله عليه وآله) وآل بيت محمّد (عليهم السلام). وكيف ذلك؟ جاء في بعض الروايات أنّه كانت للإمام الحسين (عليه السلام) طفلة صغيرة، تبلغ من العمر ثلاث سنوات، اعتادت إن تفرش لوالدها سجّادة الصلاة، وهذا هو تهيئة الأرضيّة الخصبة، وبناء العلاقة المتينة منذ الطفولة ونعومة أظافرها، وهذا درس لكلّ مَن يستخدم التعنيف والدونيّة والتفرقة بين أفراد عائلته. فالإمامان أمير المؤمنين والحسين (عليهما السلام) كانا خير قدوة لنا في اتباعهما لهذا الأسلوب مع السيّدة زينب (عليها السلام)، فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قد هيّأ أرضيّة تكامليّة تغنيه عن تأديبها، حتّى أنّه كان عندما يختبرها بالوحدانيّة يقول: قولي واحد، فتقول: واحد، وعندما يعاود ويقول لها: قولي اثنان، تقول: إنّ اللسان الذي نطق بالوحدانيّة لا يقول اثنان، فيقبّلها (عليه السلام)، على جبينها، فكانت ثمرة هذا الأسلوب أنّها أصبحت عقيلة بني هاشم وسفيرةً لأخيها الحسين (عليه السلام) نتيجةً لما تغذّت به من علم وما اكتسبت من حكمة وشجاعة أهّلتها لنيل هذه المنزلة، فكلّ رساليّ يجب أن تتحلّى شخصيّته بهذه الجوانب اللازمة؛ ليتمكّن من بثّ رسالته، وعليه فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم مَن ينبغي علينا أن ننهل من نورهم الفيّاض ونحن في ظلمات قراراتنا، فلم نجدهم يستعملون أسلوب العنف والتجريح والقسوة والتفرقة، بل على العكس من ذلك تمامًا، ولقد تجسّدت تلك المعاملة الحسنة وهذا الأسلوب الراقي بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وابنته الزهراء (عليها السلام)، إذًا فعلينا أن نقتبس من هذا النور ثلاث خطوات أوليّة: التهيئة الخصبة، حُسن المراقبة، وطيب المعاملة؛ كي ننعم ببريق نور جوهرتنا التي ختامًا ستخلّد اسمنا.