رياض الزهراء العدد 172 لحياة أفضل
مِنْ أَسرارِ الشَّهَادَةِ في نُصرَةِ المَعصُومِ
تتفاوت مقامات أصحاب المعصومين (عليهم السلام) رغم عظمتهم بحسب مواقفهم مع المعصوم وطبيعة نصرتهم له في ظلّ التحديّات التي واجهوها، وكذلك أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) تفاوتت مكانتهم تبعًا للتفاوت في كيفيّة نصرتهم له، فمنهم مَن نصره بنفسه وولده وماله، ومنهم مَن نصره نصرةً مشروطة كـ(الضحّاك بن عبيد الله المشرقيّ)، ومنهم مَن عُدّوا من شهداء كربلاء على الرغم من شهادتهم في الكوفة كـ(مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وقيس بن مسهّر الصيداويّ (عليهم السلام))، نقرأ مواقف نصرتهم لإمام زمانهم بنحو ظاهريّ، وإن كانت لها قراءة معنويّة يعلمها أهل هذه القراءات، أمّا نحن العوامّ فنقرؤها بحسب الفهم المتواضع، ولكن تصادفنا أحيانًا مواقف مختلفة للنصرة نقرؤها من منظور آخر بعيدًا عن المنظور التقليديّ، منها: "مرّ ميثم التمّار على فرسٍ له، فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسديّ عند مجلس بني أسد، فتحادثا حتّى اختلفت عنقا فرسيهما، ثمّ قال حبيب: لَكأنيّ بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صُلِب في حبّ أهل بيت نبيّه (عليهم السلام)، فتُبقر بطنه عن الخشبة، فقال ميثم: وإنّي لَأعرف رجلًا أحمر له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه فيُقتل، ويُجال برأسه في الكوفة، ثمّ افترقا، فقال أهل المجلس: ما رأينا أكذبَ من هذينِ، قال: فلم يفترق المجلس حتّى أقبل رشيد الهجريّ فطلبهما، فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولانِ: كذا وكذا، فقال رشيد: رحم الله ميثمًا نسي: ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم، ثمّ أدبر فقال القوم: هذا والله أكذبهم، قال: فما ذهبت الأيام والليالي حتّى رأينا ميثمًا مصلوبًا على باب عمرو بن حُريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر قد قتل مع الحسين (عليه السلام) ورأينا ما قالوا".(١) لو تأمّلنا الرواية أعلاه بنظرة ثلاثيّة الأبعاد - إن صحّ التعبير- لعلمنا أنّ تهيئة النصرة كانت منذ أمد بعيد وبعناية خاصّة من المعصومين (عليهم السلام)، حيث تعهّدوهم بعلم المنايا والبلايا، فحبيب ورشيد من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن حواريّي الإمام عليّ (عليه السلام)، وميثم وإن كان من التابعين إلّا أنّ قصّته مع أمّ المؤمنين أمّ سلمة تدلّ على عناية رسول الله (صلى الله عليه وآله) به: (عندما حجّ في السنة التي قُتل فيها، فدخل على أمّ سلمة (رضي الله عنها)، فقالت له: مَن أنتَ؟ قال: عراقيّ، فاستنسبته فذكر لها أنّه مولى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقالت: أنتَ هيثم؟ قال: بل أنا ميثم، فقالت: سبحان الله، والله لربّما سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي بكَ عليًّا (عليه السلام) في جوف الليل، فسألها عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام) فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنّي أحببتُ السلام عليه ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله تعالى، ولا أقدر اليوم على لقائه، وأريد الرجوع، فدعت بطيب فطيّبت لحيته، فقال لها: أما إنّها ستُخضّب بدم، قالت: مَن أنبأكَ هذا؟ قال: أنبأني سيّدي، فبكت أمّ سلمة (رضي الله عنها) وقالت: إنّه ليس بسيّدكَ وحدكَ، هو سيّدي وسيّد المسلمين أجمعين".(٢) مثلما رأينا أنّ هذه النصرة للمعصوم قد هيّأ لها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتعهّدها الإمام عليّ (عليه السلام) حتّى آتت أُكلها في عاشوراء وما قبلها؛ لإخلاص هؤلاء الأنصار، وتميّزهم بخِلال وقابليّات معنويّة عظيمة، تميّزهم عن غيرهم. إنّها حلقة ملكوتيّة تدور بين فلكي النبّوة والإمامة مضمّخة بأسرار العشق، نتعلّم منها معالم آدب نصرة إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالروح قبل البدن بتعانق أرواح الأنصار قبل أن ترسم الأجساد ملحمة النصرة الحقيقيّة. ...................................... (1) إبصار العين في أنصار الحسين (عليه وعليهم السلام): ص١٠١. (2) بحار الأنوار: ج٤١، ص٣٤٤.