رياض الزهراء العدد 83 لحياة أفضل
البُيوتُ أَسرَار_ذَنبُ مَن؟
حين تجوّلِنا في أي مكان لا نجد شوارع خالية من الأطفال المتجولين الذين يتخذون من مختلف السلع والبضائع مصدراً لعيشهم بل ونجد بعضهم يرافقهم أهلهم، وأصبحت هذه الظاهرة منتشرة بصورة واسعة، ولا نرى الجهات المسؤولة تسعى للحدّ من وجودها، فنجد براءة الأطفال قد وارتها أشعة الشمس ليبقى الانكسار واضحاً في وجوههم، وهذا ما روته الطفلة التي فُرض عليها أن تغيّر هويتها لتكون طفل شارع يستغيث الناس ليعطوه الصدقات؛ ليوفر قوت يومه، فتحدثت عن هذا قائلة: لم أعرف أي معنى من معاني الطفولة، فقد وجدتُ نفسي أسرح في الطرقات، تارة أبيع بعض السلع، وتارة أستجدي عطف الناس، وهذا كلّه لكي أجني النقود بمختلف السبل، ولكن لم تكن مشكلتي هي حرماني من عيش طفولتي أسوةً ببقية الأطفال الذين هم في سني فقط لكني أيضاً حُرمت من أنوثتي فوجدت نفسي مختبئة خلف رداء الصبيان ومختلطة معهم أتكلم بلهجتهم وخشونتهم وأتشاجر بطريقتهم نفسها، نسيت أنني أنثى.. وحتى مَن حولي يجهلون هويتي.. كنتُ في البداية أسأل والدتي لماذا أنا على هذا الحال؟ لكن بدأ هذا السؤال بمرور الوقت يتلاشى من مخيلتي، فتعوّدت على هذا الواقع المبهم، فربتني أمي على أن أكون ذكراً لا أنثى. والدة الطفلة: عشت حياة مليئة بالمعاناة من الجوع، ومن شظف العيش، تركني زوجي وطفلتي صغيرة، فلم يستطع تحمّلنا لينفق علينا، فوجدت نفسي في الشارع أطلب عون الناس لمساعدتي، ووجدت صعوبة في أن تعيش المرأة لوحدها في هذا العالم القاسي، ولم أرغب أن أجعل ابنتي تعيش ما عشته من ظروف صعبة وبخاصة كوني امرأة، فعاملتها معاملة الأولاد وفرضت عليها هذا الحال وألبستها ملابسهم وأسميتها باسم الصبيان، وتمكنت من إخفاء أنوثتها؛ لصونها وحمايتها ولتستطيع مواجهة ظروف الحياة السيئة والموجعة بقوة؛ لأن المرأة لا تستطيع العيش بكرامة في هذا الزمان الموجع. والتقينا بالسيدة سحر محمد رضا محمد/ مسؤولة مركز الإرشاد الأسري/ العتبة الحسينية المقدسة لنجد علاجاً لهذه المشكلة المنتشرة في المجتمع، وسألناها عنها فتحدثت قائلة: إيجاد فرص عمل للنساء اللواتي ليس لهنّ معيل في الحياة ولو من داخل البيت الذي يسكنون فيه، واتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل الجهات المسؤولة خاصة في توعية هذه الشريحة من الناس وتثقيفها، وكذلك يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني أيضاً الدور الفعّال في التوعية، وإنشاء مشاريع مستقلة تنهض بالوضع المعيشي للطبقات الفقيرة وبخاصة المتجوّلين في الشوارع. مهما اشتدّت الظروف السيّئة بالأهل من معاناة الفقر والجوع و شظف العيش فلا ينبغي على الأهل أن يتركوا أعز ما لديهم وأغلى ليزجوهم بمتاهات الشوارع القاسية, فمن واجب الآباء مراعاة أبنائهم وحمايتهم أسوة بغيرهم من الآباء الذين تحملوا مرار الحياة فقط ليجعلوا أولادهم نصب أعينهم كي لا يحملوهم ما لا طاقة لهم ولحمايتهم من أضرار اجتماعية وصحية ونفسية من أثر تجوالهم في الشارع فهم يدركون أن مسؤولية صيانتهم هي أمانة تقع على عاتقهم على الرغم من صعوبتها.