رياض الزهراء العدد 172 لحياة أفضل
المَجهُولَةُ قَدرًا
مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شِعارها التعاون ودِثارها الأمل، مخلوقة مباركة تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرب لنا بها المثل في الروايات، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة.. سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، و تدعوكم إلى العمل الدؤوب. عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "كُونُوا كَالنَّحلِ فِي الطَّيرِ، لَيْسَ شَيءٌ مِن الطَّيْرِ إلّا وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ عَلِمَتِ الطَّيرُ مَا في أَجْوَافِهَا مِن البَرَكَةِ لَمْ تَفْعَلْ بِهَا ذَلِكَ، خَالِطُوا النَّاسَ بِأَلسِنَتِكُمْ وَأَبْدَانِكُمْ، وَزَايِلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، فَوَ الَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ مَا تَرَوْنَ ما تُحِبُّونَ حتّى يَتْفِلَ بَعْضُكُمْ فِي وُجُوهِ بَعضٍ، وَحَتَّى يُسَمِّي بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ، وَحَتَّى لا يَبْقَى مِنْكُمْ - أو قَالَ: مِن شِيعَتِي - إلّا كَالكُحْلِ في العَيْنِ، وَالْمِلْحِ في الطَّعَامِ،.. وَكَذَلِكَ أَنْتُمْ تُمَيَّزُونَ حتّى لا يَبْقَى مِنْكُمْ إلّا عِصَابَةٌ لا تَضُرُّهَا الفِتْنَةُ شَيئًا".(1) ممّا لا شك فيه هو أهميّة وجود هذه الحشرة وجميل صنعها وعظيم نتاجها، وإبداع الخالق (سبحانه وتعالى) في خلقها؛ ولذا نلاحظ في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) هنا أنّه يوصي شيعته بأن يكونوا كالنحل في الطير؛ لما تتمتّع به هذه الحشرة من ميزات؛ ولأنّ ذلك أدعى للسلامة والنجاة؛ فسائر الطيور الجميلة والكبيرة لا تعبأ بهذه الحشرة الصغيرة، ولا تُقبِل على أكلها ولا تكترث لوجودها؛ لجهلها بما تختزنه في جوفها من البركة، حيث العسل الذي تميّزت بصنعه دون غيرها، ولربّما لو علمت بقيّة الطيور بذلك؛ لفتكت بها وتخلّصت منها. ويؤكّد (عليه السلام) في وصيّته على أن يكون المؤمن حذرًا في حركته، فيخالط الناس ببدنه ولسانه، ويسُمعهم جميل قوله وحُسن بيانه، لكنّه في الوقت ذاته يزايلهم ويبتعد عنهم بقلبه وعمله؛ لتكون له هويّته الخاصّة به، ورونقه الذي يميّزه عن غيره. فعند توالي الفتن في عصر غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) المؤتمن، فلا بدّ للمؤمن من حراسة ما في قلبه، والابتعاد عن المواطن التي تضرّ به؛ كي لا يسقط من الغربال، ويخسر صحبة الأخيار من الرجال، في عصر تضطرب فيه الأمور وتسوء فيه الأحوال، وتلفّ الفتن بتيّاراتها العنيفة ضعاف الإيمان، ممّن صاروا حطبًا لها عند اشتعالها، فباؤوا بالضياع والخسران.. إنّ المنتظِر لإمام زمانه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ينبغي أن يعدّ نفسه في عصر غيبته؛ ليحظى بقربه وصحبته، فلا يطأ بقدمه بساط المنحرفين عن منهج الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، بل يبقى حارسًا لدينه وقلبه من أن يتلوّثا بما لا يرضيهم، أو يَسودّا بما يُقصيه عن جوارهم ويحرمه من فيض عطائهم، ويبقى على هذا الحال حتّى ظهور مهديّهم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذا لعمري لا يمكن إلّا عن طريق التمسّك بما دعوا إليه في عصر غيبة قائمهم. .................................. (1) بحار الأنوار: ج53، ص115.