رياض الزهراء العدد 172 لحياة أفضل
وَهَل الدِّينُ إِلّا الحُبُّ
قَد حَبانا الله (عز وجل) بفطرَة الحُبّ، تلكَ المَشاعِر الروحيّة التي تَنقسمُ إلى درجاتٍ مُتفاوتَة، تَقعُ فِي أعماقِ القَلب وَتُكملُ طَريقها إلى الروح؛ فتكتمِل الحَياة ولا بدّ منّ العَمل وَالعبادَة وَالمُجاهدَة، وَكُلّ هذهِ تترتّب أولويّاتها في حُبّ الله (سبحانه وتعالى). فكَيف يَكُون الحُبّ؟ رُبّما ذَرّات في الفَضاء تَتنفّسُ معَ كلّ ولادةٍ جَديدة، وَتَسكنُ بينَ الروح وَالسماء، كَقطراتِ المَطَر في أول الربِيع، الحُبّ هوَ عندَما نَرى رَحمَة الله (عز وجل) لَنا، فَهوَ المُعطِي وهوَ المُجِيب وهوَ الوَهّاب الذِي يَزرَعُ اليَقينَ فِي صَحراءِ قلُوبنا المُتعطّشَة لقمحِ الحُبّ الإلهِيّ، وهوَ الذي يَبثّ الطمأنينَة فِي أرواحِنا الشائبَة ليحرِّرنا مِن سجنِ الدنيا وَمَلذّاتِها، وهوَ الوضُوء بدموع الانكسار لله (عز وجل) عندَ كلّ فَجر، حتّى نَصلَ إلى مقامِ الرضا والقبُول، فَنحنُ فِي هذهِ الدنيا عابرِو سَبِيل، وَفطرَتنا التي فُطرنا عَليها نقيّة ولكِن مُذنبَة، مُتلهّفَة لماءِ السماء، وغيُوم الأحزان التي نَركنُها عندَ مُنتصفِ الليل بعدَ كلّ ركعَة، فنحنُ بانكسارنا نَلتمسُ يَد رَحمَة تَنتشِلنا مِن عواصِف الدنيا وَترتقِي بِنا إلى مقامٍ محمُود، وَبينَ الانفصال عَن هذهِ الدنيا، والانشغال بالعِشق الإلهِيّ يُوصِلُ القَلب بالروح مثلما يُوصِل الأرضَ بالماء، ذاكَ الحُبّ لله (عز وجل) ولنبيّه (صلى الله عليه وآله) ولآلِ بَيته الأطهار (عليهم السلام)، ما هوَ إلّا شَمس الشوق اللهابة التي تُحرِق قلُوبنا لنخرجَ مِن أجسادِنا الغرور والأضغان وحُبّ الدنيا. الحُبّ هوَ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عندَما باتَ فِي فِراش النبيّ (صلى الله عليه وآله)، الحُبّ هوَ أمّ البَنين (عليها السلام) التي وَهبت فلذّاتِ أكبادها الأربَع فداءً للحُسين (عليه السلام)، الحُبّ هوَ زَينب الجَبل الذي لَم يَهتزّ، وامتلأ صَبرًا ونطقَ بصوتِ: "ما رأيتُ إلّا جَميلًا". الحُبّ هوَ العبّاس (عليه السلام) الذي سَقى بذراعَيه السماء، وقدّمَ دَرسًا في الأخوّة والشجاعةِ والإباء، الحُبّ هوَ أولُ لُقمةٍ فِي فمِ الطفل الرضيع، الحُبّ هوَ مودَّة الزوجين لبَعضهِما وَرحمَتهما، الحُبّ الذي يَكمنُ فِي القَلب وَيتغلغل بينَ الشرايين مُعلنًا ملء الرّوح بالارتباط الأبدِيّ بالآخرَة، والشعُور بالانغماس فِي طَريقِ الحَقّ الذي رَسمهُ الحُسين (عليه السلام) فِي عاشُوراء، مُعلنًا بدايَة النهضة التي غَرسَت سهمَ العِشق الإلهِيّ في قلُوب الموالِين، ذاكَ السهم الذي هوَ حلقَة وَصل بَينَهم وبينَ السماء، الحُبّ هوَ ارتباط سَماوِيّ مُقدّس بلا تَشويه وبِلا افتِعال، يُطوّقُ القلُوب وَيمنحها كَمالها. هوَ تكملَة الإطار الروحيّ والفكرِيّ للفَرد الذي بدورِه يَبثّهُ في المُجتمع مُتشبّثًا بمعالِم الدين الإسلامِيّ والعَقيدَة. فهوَ الأساس لعَيش حياةٍ مبنيّة على حُبّ الله (عز وجل) وَالعَمل لوجهه، والاستسلامِ لَه بِلا قيُود. الحُبّ هوَ الجِهاد فِي سَبيلِ الله تعالى لتَرتقِي تلكَ الروح مُستشهدةً شَوقًا للقاءِ ربّ الحُبّ. فَحينَ نُربّي جيلًا مَبنيًّا على حُبّ آل البَيت (عليهم السلام) مَوصولًا بحبِ الله (سبحانه وتعالى) فلا خَوف عليه، فَنحنُ نَبنِي كَوكبًا مِن التقوى وَالصبر وَالشجاعَة والعفّة، وهذهِ الصفات بدورَها تَبعثُ الأمَل بولادَة قلُوب مُحبّة وواهبَة للحُبّ والمَودّة، مُكتفية بالرحمَة وَالعَطف وَالإخلاص والخُلق الحَسن، تَسيرُ على خُطى الحُسين (عليه السلام) غَير مُبالية بفتَن الدنيا وَمَلذّاتِها، مَملوءَةً بِبسالة عليّ (عليه السلام) وَمُتّبعة نَهجه، فَلا خوفَ على أُمّةٍ اختارَت حُبّ الله (عز وجل)، ليس خَوفًا مِن عَذابِه، بَل شَوقًا وتَيمًا لمُلاقاتِه.