تَأمّلاتٌ فِي الحَياةِ

زينب كاظم التميميّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 186

لمَن لم يستسلموا للمسافة، ولمَن يَخرِقون حظر تجوال الكراهيّة بالمحبّة، حاملينَ ابتساماتهم على الرغم من ثقل وزن الحزن. لمَن تأقلموا مع السهل والمحال، وباتت الحياة بالنسبة إليهم بمنزلة ارتداء مِعطف من الفرو في فصل صيفيّ حارّ، ومع هذا تُثلج قلوبهم بالمحبّة. لمَن صبر وزرع بتلات السرور على عتبات روحه. لمَن يسعى إلى الوصول دائمًا. لمَن لم يهمّه ما قيل وما يُقال. لمَن كان حنونًا على نفسه كلّ يوم، ولم يُزِد صعوبة الحياة بقسوته على ذاته. لمَن يقول إذا أخطأ لنفسه: لا بأس لقد تعلّمتَ، خسرتَ إذاً ستُعوّض. لمَن توقّف عن تضييق عيشه بالحسرة والندامة. لمَن أدرك أنّ الحياة قصيرة مثل لحظة، لا تستحقّ أن نقضيها منطوين على حُزننا. وأدرك أنّه لابدّ لكلّ إنسان من أن يرتكب العديد من الأخطاء، لذا لا يخجل من خطئه ولا يمجّده، ويعلم أنّ الفشل سيلتهم بعض الأمانيّ الغالية، لكن لا ينصرف عن مطاردة الأمانيّ إلى مطاردة الفشل. ‏لمَن أدرك أنّ هذه الأيام ستمرّ بكلّ ما فيها، ستغدو مجرّد ذِكرى في صفحة الماضي، وسيتجاوزها كلّ إنسان تعلّق بربّه وآمن به وبالقدر المكتوب، وسيتجاوزها بإذنه تعالى وكأنّها لم تكن، فهذهِ سُنّة الحياة أن لا دوام على حالٍ أبدًا كيفما كان. لمَن تأمّل كلّ الأشياء حتّى وإن كانت ليست مدعاةً للتأمّل. لمَن أدرك أنّ الحياة لا تستحقّ أن يستنزف طاقته في الصراع معها، وأعلن الهدنة و كأنّهُ المنتصر. ولمَن لوّن أيامهُ بفرشاة الأمنيّات على أمل أن يستيقظ ذات صباح فيجد الحياة على جدران غرفتهِ تبتسم. وإنّ المرء يتعالى على أحزانه يقينًا بأنّ الحياة تمضي ولا تعبأ بالقاعدين، فما يزعجكَ اليوم سيغدو لاحقًا محض قصاصة عارضة بين صفحات عمركَ. ولمَن أدرك أخيرًا أنّ من حقّ نفسه عليه أن يتدارك الزمان بالسعي فيما يرفع وينفع، لا بتحبير القصاصات المهترئة. أنتم رائعون. عندما تكون صادِقًا مع نفسكَ قبل كلّ شيء، عندما تقول "لا" لما ينبغي أن يُقَال له ذلك، عندما تضع نفسكَ في الأماكن التي تحبّها، وتُحلّق في الآفاق التي تنتمي إليها، وتحيط ذاتكَ بما يلهمكَ ويبهجكَ، عندما تكون أنتَ ذاتكَ فستحيا بسلام، فمَن كان مُسالمًا، راضيًا، فسيدرك صِغر الدنيا، وسيهون عليه كلّ أذىً، ومَن كان مؤمنًا، مقاومًا، فسيدرك أنّه ليس للإنسان إلّا ما سعى، وأنّه سوف يجد خيرًا ممّا مضى، ورأى إذا ألقى كلّ البؤس جانبًا وحاول ألف مرّة أخرى ليصنع من كلّ الظروف التي تحاربه ظرفًا يدفعه إلى ما يريده ويتمنّاه، فسيحيا حياةً طيّبةً، مثلما يتمنّاها، كلّ شيء بيدكَ، فحاول أن تتغيّر فقط.