رياض الزهراء العدد 172 الحشد المقدس
تَلَامِيذُ عَاشُورَاءَ
هكذا رأيتُهم.. وهكذا أثبتوا.. خُلقِوا من فاضل الطين المقدّس، وعُجنوا بماء الحُبّ والوفاء، ترى في اشتعال قلوبهم جمر المواقد، وفي أصواتهم شجن القصائد، وفي مواقفهم صدًّا لكلّ حاقد. فعلى المجالس الحسينيّة فتحوا عيونهم، وبالعشق العلويّ انغمست أرواحهم، وبكلمات محمّد وآله لهجت ألسنتهم. يعيشون الحاضر الذي يذكّرهم بالماضي، يحنّون إلى أخلاق محمّد وآل محمّد (صلى الله عليه وآله)، وإلى عطف محمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، والى رفقة محمّد وآل محمّد (عليهم السلام). هذا الحنين جعل أمنيّتهم الوحيدة: "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزًا عظيمًا"(1).. (معكم ثمّ نفوز) كلمة سحريّة تُعبّد طريق السعادة الأبديّة. معكم.. في القول والعمل، مع التضحية والصبر، حتّى لو تقطّعت الأشلاء كأشلاء عليّ الأكبر (عليه السلام)، مع الرضا بالموت على الحقّ، ولو خلّفوا وراءهم العرس والأمّ والشباب كالقاسم بن الحسن (عليهما السلام)، مع الوفاء والإيثار ولو قُطِّعت الأيدي كالعبّاس (عليه السلام)، تنبتُ على سواعدهم الأجنحة فيحلّقون في سماء الفخر إذا ذكروا شجاعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وتتكسّر خلف أضلاعهم الحسرات إذا ذكروا أضلاع فاطمة (عليها السلام). يحبّون أحباب الله تعالى وأولياءه، ويبغضون أعداء الله (عز وجل) من الظالمين، فكم رأوا أنّ الزمان ظلمهم فأبعدهم عن محمّد (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام)، وكم تمنّوا لو سنحت لهم فرصة النصرة لإحقاق الحقّ. وحين كشّر الذئب الغادر عن أنيابه وأخرج الشيطان رأسه، ورفع أعوانه راية حقّ أرادوا بها باطلًا، فهدّدوا أمن البلاد والعباد، وأعلنوا الحرب على الأرض والمقدّسات، جاشت في نفوس تلاميذ عاشوراء حميّة الدين والوطن، وذكروا خيام الحسين (عليه السلام) المحترقة ونساءه السبايا، فرأوا أنّ الفرصة التي لطالما حلموا بها قد سنحت، وقد أفتى القائد بالدفاع، وارتفعت راية تدعو مَن يريد الفوز إلى طريق: (يا ليتنا كنّا معكم). وكان هذا محكّ الاختبار لصدق النوايا، فليس الحسين (عليه السلام) موائد ومجالس بكاء، بل هو قدوة كلّ حرّ ووقود كلّ نهضة، وها هو الحسين (عليه السلام) يدعو أنصاره من جديد. فهبّوا بدون مماطلة ولا تهاون، وسارت معهم الرايات والمواكب الحسينيّة إلى السواتر وسوح القتال، تشدّ أزرهم وتزيح عنهم العناء والتعب، فشعروا أنّ نفحات آل البيت (عليهم السلام) تحيط بهم، وعيون آل البيت (عليهم السلام) ترقبهم في هذا الاختبار، فمَن تقدّم فاز بتاج الكرامة، ومَن تخلّف لم يبلغ الفتح. ............................................ (1) بحار الأنوار: ج ٤٤، ص ٢٨٦.