تَنهّدات (ابن, أب)

آمال كاظم عبد
عدد المشاهدات : 135

ابن ما زلت تعتقدني ذلك الطفل الصغير الذي يجلس على حجرك وتخاف عليه من كلّ شيء، وتبقى تراقبني في كلّ واردة وشاردة، وتسألني: مع مَن كنتَ تتكلم؟ ومع مَن ذهبت واتيت؟..إلخ من الأسئلة وأنا لا أخفيك سراً أنني كنتُ في بعض الأحيان أفرح لأنك تهتم بيّ، ولكن على قدر ذلك الفرح كنتُ أتألم وأشعر بالاختناق لأنك تقيّدني وتصادر حريتي باسم الأبوة، متناسياً أنني أصبحت رجلاً، وأنني سأصبح عمّا قريب ربّ أسرة جديدة بعد أن أتزوج، فمتى إذن سأشعر باستقلاليتي؟ أنا أعرف أنّ خوفك عليّ يدفعك إلى تلك التصرفات، وأنّ قلقك عليّ يشتت تفكيرك ويربكك، وهذا ناجم عن الحبّ الزائد الذي تكنّه لي، أتعرف يا والدي بأني أشفق عليك من هذا القلق الدائم الذي يزيد عن الحدّ المعقول ويخيفني الرعب المسيطر عليك بسببي، والذي جعلك تقيّدني بعدم رضاك عن أيّ فرصة عمل أحصل عليها، فأصبحت عاطلاً أمدّ يدي إليك لأخذِ مصروفي، وكأني طفل لم يتجاوز الحلم، لقد تحطمتْ آمالي بالزواج بسبب هذه التصرفات منك، صحيح أنك خطبت لي الإنسانة التي أريد، ولكني قلق على مستقبلي معها وبتّ أشعر بالخوف من فشلي في الحياة الجديدة التي أصبو إليها، ففي هذا الزمن أصبحت قلة اليد من أهم أسباب الفشل في الحياة الزوجية. هل تذكر يا أبي في ذلك المساء الذي كنتُ فيه مع مجموعة من الأصدقاء، كيف أنك سحبتني عنوة لأعود معك إلى البيت، مما جعلني أضحوكة بين أصدقائي؟ أو حينما كانوا يسألون عني وتخبرهم أنني مريض أو في خارج البيت؟ فاهتزت صورتي أمامهم، وبدأوا يستهزئون بي ويسخرون مني، فتركتهم وعزلت نفسي عن الناس، وأصبحت وحيداً، والآن تصادر حريتي بمحو شخصيتي!، فعذراً لكَ يا أبي، أنت فعلاً آذيتني. ****************************************** أب أحبك يا ولدي.. نعم أحبك بجنون الأب الذي لا يرى سوى أولاده في هذا الدنيا، وأخاف عليك حتى من النسيم الذي يمرّ من أمام وجهك، يقلقني مجرد التفكير بأنك ستذهب خارج البيت؛ لأن المجتمع الآن غير آمن، فأنت أملي في هذه الحياة ولا أريد فقدانك، فبك سيبقى اسمي في الوجود ونسلي لا ينقطع وأنت مَن تحمل على أكتافك جنازتي وتواريني في مثواي الأخير، وبك لا ينقطع عملي بعد الممات، إني أدّخرك لأيام عجزي وشيخوختي، أنت الوحيد الذي أستطيع أن اتكئ عليه من دون أن أتردد، فكيف تريدني أن لا أخاف عليك؟ قد أكون مبالغاً في طريقة التعامل معك من ناحية تقييد حريتك، ولكني لا أستطيع أن أتصور بأنك ستصبح بعيداً عن عيني ولو كان ذلك البعد مدة دقائق معدودة، ولا أتخيل أنك ستعمل وتتعب في عملك؛ لأني لا أريد أن ترى ما رأيته أنا من تعبٍ ومشقةٍ، فأنا أشفق عليك من كلّ هذا، وأريد أن أترك لك ما يعينك؛ لتتمتع بما شقيت به أنا، فأنت جزء مني، وأنت كلّ ما أملك في هذه الحياة الفانية، فمن الطبيعي أن أحرص عليك أكثر من اللازم. تعاتبني لأني جعلتك أضحوكة بين أصدقائك، ألم تعلم أنني سحبتك بالقوة من بين أصدقائك؛ لأني أخاف عليك منهم وإن أدى ذلك إلى أن يسخروا منك فهذا أفضل من أن تصبح واحداً منهم. كنت أسهر الليالي لأفكر وأعد لك مستقبلاً زاهراً لا تتعب فيه، وبحثت عن راحتك، لكني تناسيت بأنك كبرت، ولم تَعُد ذلك الطفل الذي يهرب إلى أحضاني وقت الخوف، فعذراً لك بُنَي.