نُجُومٌ سَاطِعَةٌ

زينب ضياء الهلاليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 152

الملحمة الربّانية في ربوع كربلاء وقصص العطاء، ملهمها وقائدها ومخطّط نهضتها الخالدة في ميدان التضحيات عنوان الإباء والوفاء الخالص، ملحمة خلّدت أنجمًا ساطعة في سماء المجد والبطولة، يقترن ذكرهم بذكر الحسين (عليه السلام)، في سباقهم لاحتضان الموت سطّروا ملاحم البطولة بأبهى معانيها. قضوا ليلهم راكعين مستغرقين في صلاتهم، كانوا رجالًا ينشدون الموت من أجل الحياة، مضى الليل إلّا قليلًا ولم يبقَ إلّا أن تنفجر لمّة الظلام عن جبين الفجر، عندما دبّت في معسكر الحسين (عليه السلام) حركة تشبه دويّ النحل الذي لا يعرف غير العمل. تشابكت أوتاد الخيام في عناق صميميّ كأنّه يعكس تلاحم القلوب التي لا تعرف غير الحُبّ.. وانبرى رجال يحفرون الخنادق ليملؤوها حطبًا، فإذا اشتعلت المعركة تحوّل الخندق إلى خطوط ملتهبة.. انحدر برقع الليل عن وجه الصباح، بانت الذئاب التي تستعدّ للقتل.. رمى (ابن سعد) أولى سهام الموت معلنًا الحرب وصرخ: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أول من رمى.. انطلقت آلاف السهام كأنّ السماء تمطر وابلًا من السهام.. خاطبهم الحسين (عليه السلام)..: قوموا إلى الموت الذي لابدّ منه.. فأنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم.. حانت اللحظة، سبعون نفرًا أو يزيدون يقاومون جيشًا من الذئاب محمّلين بأحقاد زمن غابر، وانكسارات على مرّ التاريخ.. خفقت القلوب، ورجفت الصدور وخفتت الأصوات وامتدّت الأعناق، وتواثبت الأحشاء، وتزايلت الأعضاء، ومشى اليأس في الرجاء مشي الظلام في الأضواء، ومرّ على ذلك زمن لا تضطرب فيه موجة ولا تهبّ نسمة.. تبدّد الغبار وكان رجال الحسين (عليه السلام) يقاتلون بعزم حديديّ أو أشدّ بأسًا، أجبر العدوّ على التراجع.. ظهر الشمر كحيوان غادر يقود الجناح الأيسر من جيش يزيد.. وهو يتلهّف للغدر وقتل أولاد الأنبياء.. واستعدّ رجال الحسين (عليه السلام) لصدّ الهجوم، وتعالت هتافات العاشقين في أرض كربلاء، وامتلأت السماء غبارًا، وبدأت السيوف في غمرة التراب ترسم طريقًا جديدًا للوفاء.. تعالت صرخات المودّة والإيمان، أعلنها المحبّون، استأنسوا بالموت، أعلنوا النداء حيث سارعوا إلى كلّ زوايا الظلام بحثًا عن نور صادق، ومزّقوا عتبات دنياهم وساروا إلى ابتغاء مرضاة الله (عز وجل)، وبذلوا أرواحهم وأنفسهم دون الحسين (عليه السلام)، واستشهدوا أحرارًا في سبيل الله تعالى ونصرة دينه.. عشقوا الحسين (عليه السلام)، وقاتلوا معه واستشهدوا بين يديه.. هؤلاء هم العاشقون صدقًا.. وهم مَن نالوا السعادة الحقيقيّة دائمًا وأبدًا..