نَوحُ السَّمَاءِ

ربى جواد العبيديّ/ ديالى
عدد المشاهدات : 152

بين طيّات السنين وفي كلّ عام تَمُرُّ مناسبةٌ مفجعة وليست بأيّ مناسبة، تلك التي قد أحزنت أهل السماء والأرض، وأبكت الأنبياء وكلّ الأكوان بريح أحزانها، آلمت الكبير والصغير حتّى الطفلَ الرضيع قد أحسّ بألم تلك المصيبة، يوم عاشوراء الذي قد أقرح عيني صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وعيني الرسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمٍ وعليٍّ (عليهما السلام) من البكاء، وصفها مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة الناحية المقدّسة: "فلأندبنَّكَ صباحًا ومساءً، ولأبكينَّ عليكَ بدل الدموع دمًا"،(1) بإمكاننا أن نتخيّل عِظمَ ذلك اليوم، ولا أحد يعلم كيف مرَّ ذلك النهار على أهل البيت (عليهم السلام) وعلى العالم أجمع وهم يفقدون أحسن وأجمل وأعظم إمامٍ في زمانه وهو سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (عليه السلام)، حتّى إنّ السماء قد بكت عليه دمًا مثلما جاء في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ أبا عَبدِ اللهِ الحُسَينَ عليه السلام لَمّا قَضى‌ بَكَت عَلَيهِ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرَضونَ السَّبعُ وما فيهِنَّ وما بَينَهُنَّ، ومَن يَنقَلِبُ فِي الجَنَّةِ وَالنّارِ مِن خَلقِ رَبِّنا، وما يُرى‌ وما لا يُرى‌".(2) يمكننا أن نتخيّل أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) هو ثاني معصوم تبكي عليه السماء دمًا من بعد النبيّ يحيى (عليه السلام)، وفي ذلك إثبات على كِبَر ألم هذه المصيبة ووقعها. إنّ القلم لا يقدر على وصف تلك الحادثة الأليمة، ولا الأسطر تكفي لخطّها، فتنقل الكثير من الروايات أنّه قُتل مثلما يُقتل الكبش! قطعوا الرأس الشريف من ذلك الجسد الذي تربّى على يدي أعظم نساء أهل الأرض والسماء السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والإمام عليّ (عليه السلام)، وقد داسته الخيول بحوافرها في ميدان ساحة الطفّ بعد أن مثّلوا به. إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان عالِمًا أساسًا منذ ولادته بيوم استشهاده، وكان بإمكانه أن يُغيّر مسيره وينجو من الموت بجميع الوسائل الممكنة، إلّا أنّه اكتفى بإزهاق روحه؛ لأنّه علِم بما في ذلك من تأثيرات في الدين، والعلوّ الذي سيحصل عليه من الله (عز وجل)، فكان (عليه السلام) كعبةً للقلوب المنكسرة ومأوى المظلومين وخير طبيب يداوي نزف قلوبهم. إنّ القلوب لتنزف دمًا قبل المحاجر حين حلول يوم عاشوراء، كيف لا تخرج الأرواح وتُزهق حزنًا على سيّد الشهداء! فيا لَها من مصيبةٍ قد أفجعت العالمين. ................................................. (1) ضياء الصالحين: ص510. (2) الكافي: ج4، ص575.