رياض الزهراء العدد 172 منكم وإليكم
حَرائِرُ الطَّفِّ
ونحن نسبر التأريخ ونطالع الحقائق والوقائع فنناقش، ونحاور، وندقّق في التفاصيل لنصل إلى الحقيقة الكاملة تطالعنا واقعة الطفّ بشخوصها وأحداثها أمامنا؛ ليسجّل التأريخ ظليمةً كبرى ارتكبتها السلطة الحاكمة آنذاك؛ ليسدل الستار ويخلّد بني هاشم بانتصارهم الكبير، فلم يكن همّ الإمام الحسين (عليه السلام) النهضة في وقتها، فهو على يقين وعلم باستشهاده، بل كان همّه الأكبر تحقيق التواصل الزمنيّ البعيد لها وهو ما حصل بالفعل. ونجد أيضًا حضور المرأة، ولا يقلُّ شأنًا عن حضور الرجل، فتضحيتهما على حدّ سواء، ولولا وجودها لما نجحت وأخذت دلالتها المستقبليّة. لقد شاركت المرأة عبر التأريخ الإسلاميّ الطويل بكلّ أحداثه البطوليّة في البيعة، والهجرة، والحروب، والوقائع، ولولا وجود المرأة إلى جانب الرجل لما رسخت القضيّة العاشورائيّة وأخذت ما أخذت من أبعاد حضاريّة، وهذا ما ذكره كثير من الباحثين، فكان حضورها مع العيال منعطفًا كبيرًا خلّدها على مدى الدهر، وقال الإمام الحسين (عليه السلام): "إنّي لا أرى الموتَ إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برمًا".(1) وعلى قمّة هرم النساء نجد عقيلة بني هاشم زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، وأمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) وأختها سكينة، والرباب بنت امرئ القيس الكلبيّة (أمّ الطفل الرضيع) ـ سلام الله عليهنّ جميعًا - ومن الجدير بالذكر أنّها الوحيدة من بين زوجات الإمام الحسين (عليه السلام) التي حضرت الواقعة - على اختلاف في الروايات -. وثاكل تبدو من الخدورِ تعجُّ بالويل وبالثبورِ ومرضع ترنو إلى رضيعِ على التراب فاحص سريعِ ونسوة تُسبى على النياقِ حسرى تعاني ألم الفراقِ(2) ومن النساء رملة (أمّ القاسم (عليه السلام)) وزوجة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، و(رقيّة) بنت الإمام الحسين (عليه السلام)، و كانت طفلةً، و(حميدة) بنت مسلم بن عقيل، وأُخريات جئنَ معهم في المسير، زيادة على مَن انضمّت إلى النهضة بعد مجيء الإمام (عليه السلام) إلى كربلاء، فاستحققنَ لقب (ناصرات الإمام الحسين (عليه السلام))، ومنهنّ (طوعة) التي نصرت وآوت سفير الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة مسلم بن عقيل، وغيرها كـ(دلهم بنت عُمير)، وهي زوجة زهير بن القين، و(أمّ وهب) وهي زوجة عبد الله بن عُمير، و(أمّ عمرو) بن جنادة الأنصاريّ، و(مارية) بنت منقذ العبديّ و(أمّ سلمة)، و(أمّ البنين عليها السلام) التي ضحّت بأبنائها الأربعة فداءً للإمام الحسين (عليه السلام). (2) فقد سُبينَ وأسرن وسيرَ بهنّ من أرض إلى أخرى حبًّا للحسين (عليه السلام) ودفاعًا عن نهضته. .............................. (1) بحار الأنوار: ج44، ص٣٨١. (2) المقبولة الحسينيّة لآية الله الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (قدّس الله سرّه): ص ٦2.