رياض الزهراء العدد 172 منكم وإليكم
قَسوَرَةُ العَلقميِّ
في فضاء الحقيقة تبلّج قمر الآل، ينير أرض نينوى مثلما أنار أرض صفّين الحالكة.. بدر توهّج نوره، أشرق بين خافقيه حبّ حبيب الله ووصيّه.. ارتشفت منه الأمواج فيض الحياة.. نسر يُحلّق في سماء الحريّة.. معجم الإباء الحسينيّ تترتّب حروف معانيه.. جوهرة الوفاء تتلألأ بِذكر اسمه.. تدرّع بهيبة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام).. تجلبب بالمناقب، تلفّع بالفضائل، بانت على شمائله سيماء الطالبيّين، رفعةً ومجدًا، ووجاهةً وسؤددًا.. تشرّبت روح الحوراء (عليها السلام) به، وماج فؤادها بحبّه.. توهّجت عيناها تحكي أسرار إخوّته.. وعزّها وهيبتها بوجوده.. لِمَ تسكت الكلمات وتغادرني الحروف؟ آهٍ لعبرات أمير المؤمنين (عليه السلام) يقلّب كفّيه وهو لايزال في المهد غضًّا.. بقبلاته يحنو عليه وهو يُعتصر ألمًا.. ويختنق حزنًا.. قمر تحيّرت سماء الطفوف به.. تَعانق الشموخ مع اسمه.. كيف يجمع قلبه ثورة البراكين على أعدائه، ودفء المشاعر لأحبّته؟! بطل كربلاء يصطلم الأعداء، يفرّون من بين يديه ليحقنوا دماءهم.. وجهنّم فتحت أبوابها بانتظارهم.. كأنّه ملك الموت يحصد بالأرواح قبل الرؤوس.. مثل أبيه حيدر يوم خيبر.. يستأصل أهل النفاق فيخرّون قُدّامَه صَعقين، يتقفقفون(١) من اسمه خَوفًا.. يا صاحب البصيرة، والأخ المدافع عن أخيه في تلك الظهيرة.. يا حامل اللواء، ومن سواه جديرٌ بِحمله؟! يُدافع عن الدين، وقلبه وإحساسه في الخيام مع أخته وأطفال الحسين (عليه السلام).. يجول في الميدان، يُجندل الخرصان، يرميهم إلى سقر.. تَشرَّبَ الشكيمة في الرضاع حتّى امتلأ.. فصار شَجوه يوم الطفوف.. وكربلاء صارت له تتيُّماً وهوىً.. يا وصيّة أبيه يوم الرحيل، وكفالة الحوراء باتت له وسامًا ومفخرةً.. من يومها حملها دمًا يسري في شريانه.. يروّض روحه ليوم الزمجرة.. شُقّ عليهم عِزّه.. وأُعضل عليهم مجده.. استحلّوا بقتله الحرمة.. فاستحقّوا من الله تعالى النقمة.. رفعه الله تعالى في علّيين، فرافق النبيّين والصدّيقين.. يا سيّد الماء.. الذي احتشم الفرات من قِرْبته.. فغار في الأرض يبحث عن مأوىً لخجلته.. فلم يرَ بُدًّا إلّا أن يعتذر، يجثو تحت قدميه ويدور حول قبره.. يا أيّها السقّاء وقُطبَ كربلاء.. لا تزال بدرًا يُندّد غَيهب السماء.. وتَتَسنَّم أُفقًا تَجلّلَ بِالدماء. ........................................... (1) تقفقفَ: اصَطكَّت أَسنانُه واضطرب حنكاهُ من البرد وغيره.