رياض الزهراء العدد 172 منكم وإليكم
شَهَادَةُ الطِّفلِ الرَّضِيعِ (عليه السلام) إحياءٌ للإِنسَانِيّةِ ومِنهَاجٌ للتَّضحِيَةِ
عندما يتحدّث التأريخ عن شهادة رضيع، ينتابكَ إحساس الإدراك العميق فيها بعظمة ذاك الرضيع -فداه روحي-، وفصاحة ذلك البكاء الذي ترك فينا من الأثر البالغ ما يزال يصدح في مخيّلتي عند سماع بكاء الأطفال، حيث تكمن الجوهرة في عظمة الملحمة التي قادها هذا الطفل مع إمام زمانه، كانت جديرة بأن تحفر بئر (زمزم) في كلّ كبير وصغير ليرتوي من عذب فصاحة تلك الدموع وبلاغة الصراخ. يعيد ذلك الإحساس سؤال السماء عن تلك الدماء التي صعدت، وأبت بل خجلت الأرض من احتضانها مثلما جاء في الأثر: "فجعل الحسين (عليه السلام) يأخذ الدم من نحره ولبّته فيرمي به إلى السماء، فما يرجع منه شيء"(1) أيّ منزلة كان بها هذا الرضيع، أم تلك قطرات الماء التي باتت تلوذ خجلًا خلف القِربة لعدم ملاقاة شفاه طفل الوليّ، يا تُرى ما كان موقف تلك القِربة؟ هل كانت تهمس مخاطبةً ذلك السهم: أيّ عمل تريد أن تفعل بوجه النور هذا وشمس الضياء؟ فتجيب السماء: بنصر، بنصر الإنسانيّة على الطغاة جميعًا؛ لتحيا الإنسانيّة بخلود سرمديّ وتستجوب أهل الأرض: بأيّ ذنبٍ قُتِلت؟ وهنا يظهر دور التضحية في منهج هذا الطفل، ويركّز على ظلم بني أميّة، حيث يستنجد الإمام الحسين (عليه السلام) بهم ويقول: "يا قوم إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل"،(2) وكشف زيفهم بعد محاربتهم لمطلق الإنسانيّة التي كانت تتجسّد بنداء الإمام (عليه السلام)، وما كانت ظلامته لتقف عند هذا الحدّ، بل ظلامة دين جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) أيضًا. أدّى عبد الله الرضيع (عليه السلام) دورًا بطوليًّا شجاعًا لتكريس القِيم والمبادئ الحقّة، والتمهيد لإمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بحسب عمره وإمكاناته التي لا ندركها نحن، بل يدركها ربّ العباد، ليكون لنا قدوةً حتّى على صعيد المنهج البكائيّ، إذ كان سلاحه الوحيد لنصرة إمامه، وكان جديرًا بصحوة الضمائر الميّتة في ذلك العصر، واستمرّ صداه إلى يومنا هذا ليظلّنا تحت ظلّ المودّة والبُعد العاطفيّ مع الإمام أرواحنا له الفداء. .............................. (1) مقاتل الطالبيّين: ج20، ص1. (2) كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ج1، 474.