رياض الزهراء العدد 172 صحة العائلة النفسية
قُوَّةُ التَّحَمُّلِ النَّفسِيِّ
يواجه بعض الأفراد الكثير من التحدّيات يوميًّا، قد تكون بسيطة يمكن التعامل معها بسهولة وتلقائيّة، ولكنّ بعضًا منها قد يتطلّب التفكير والتحمّل النفسيّ، فالتحمّل النفسيّ لا يعني المعاناة والسلبيّة، بل إنّه مظهر من مظاهر الشخصيّة السويّة، وعنصر مهمّ في عمليّة التوافق الفعّال، ويُعرّف بأنّه قدرة الفرد على التحمّل ومواجهة قدرٍ عالٍ من الضغوط بدون أن يُصاب بأعراض نفسيّة وبدنيّة سلبيّة، وتختلف قوة التحمّل من فرد إلى آخر وفقًا لعدّة عوامل تنبع من شخصيّة الفرد، منها قوّة السيطرة على اختيار البدائل المناسبة لحلّ المشكلات، والثقة الذاتيّة بالقدرة على امتلاك مهارات التعامل اللازمة لمواجهة الضغوط وعدم الاستسلام، ووجود صفتي الالتزام والتحدّي، والتمسّك بمواجهة المشكلات والوصول إلى الغايات التي ينشدها، والقدرة على تحمّل الإحباطات المُختلفة التي تنتج عن الفشل، فالفرد الذي لديه تحمّل عالٍ لديه مستوىً عالٍ من القدرة على التوافق في الحياة اليوميّة، والمواقف والتحديّات المختلفة في الحياة. إنّ من أفضل الطرق لزيادة قوة التحمّل النفسيّ هو تدريب النفس على الصبر والثقة بالذات، والترفّع عن الأمور الصغيرة وتجاوزها، والتمتّع بقدر كبير من الشجاعة والتحكّم في الذات، وإنّ تكرار النجاحات تزيدها تلقائيًّا لدى الفرد، ويصبح غير متأثّر بالتصرّفات التي قد تصدر من الآخرين وتسبّب غضبه، مثلما أنّ الاعتماد على المبادئ الحسنة والأخلاق الحميدة بوصفها أسلوب حياة في التعامل مع الآخرين والواقعيّة يزيد منها، فالإنسان عندما يبدأ بالتطلّع نحو المستقبل فسيترك لخياله العنان في الوصول إلى درجات كبيرة من النجاح، ويواجه الواقع بكافّه عوائقه التي قد تسبّب الإحباط والاضطراب نتيجة الاصطدام بمواقف غير محسوبة، ولكنّه بإمكاناته الذاتيّة والمهارات يحقّق الأهداف المتوسّطة، وإنّ فشله بالمحاولة لا يعني الفشل إلى الأبد إلّا في حالة التوقّف عن المحاولة، لذلك لا بدّ من الاستعداد داخليًّا للتغيير وفقًا للشروط الموضوعة، والجهد الذي هو القوة التي تُعزّز من قِبل الإنسان عن طريق تحديد المطلوب، فقد يتعرّض الإنسان إلى الخوف، أو اليأس نتيجةً لبعض المشكلات، لذلك لا بدّ من تحديد مدى التعرّض للاكتئاب والقلق، والاستمرار في تحقيق الهدف، وعدم الاستسلام بسهولة لتكوين بعض الأفكار التي تُشعر الذات باليأس من خوض التجارب، والتحلّي بالشجاعة؛ لأنّها الاستعداد الكامل لتحمّل العواطف والخوف، والقدرة على الاستمرار في تحقيق الهدف على الرغم من الإحساس بالخوف. ولا ننسى صاحبة أقوى تحمّل نفسيّ، الحوراء زينب (عليها السلام)، التي تصدّت لمسؤوليّة قيادة الركب الحسينيّ الشريف بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك بقوّة حجّتها وصلابة شخصيّتها الفريدة التي لا تتكرّر في التاريخ، وأنّ قوّة هذه الشخصيّة وصلابتها، وقدرتها على تحمّل الويلات والمصائب والخطوب الجسام، يعود إلى ارتباطها بالله تعالى، وإنّها (عليها السلام) استمدّت قدراتها من الروح وليس من المادّة، وشتّان ما بين الاثنين: الروح والمادّة، فمَن يستمدّ قوّته وصلابته وقوّة تحمّله وصفاته من العمق الروحيّ، غير الذي يستمدّ صفاته وقدراته من قدرات الجسم الماديّة، لذا قدّمت (عليها السلام) دروسًا لا تتكرّر في الصبر والتحمّل والشجاعة والأناة ورجاحة العقل وصلابة الموقف، وعلينا أن نقتدي بها.